فوضع المفرد ، موضع الجمع ، كالجامل والباقر. ومعنى : عن كابر : أي بعد كابر ، وهو متعلق بسادوك ، وليس متعلقا باسم الفاعل ، لأنك إذا علقته به كان هجوا. ألا ترى أنه إذا قيل : أكبر هذا ، عن ذاك ، أي صار هذا فوقه ، وذاك دونه ، فيصير كأنك قلت : سادوك من كبروا عن كابر ، أي صاروا فوقهم ، وهم دونهم ، كما جاء : (كبر عمرو عن الطّوق) (١). ففي تعليق (عن) باسم الفاعل ، هجو وقلب للمعنى. وفي تعليقه ب (سادوك) مدح. وهو المقصود. و (عن) في هذه المسألة ، بمعنى (بعد) ، كما قيل في قوله : (لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ) (١٩) (٢) أي : حالا ، بعد حال.
ومن هذا الباب ، على قول الأخفش : كلّمته فاه إلى فيّ. هو عنده على تقدير (من). أي كلّمته من فيه إلى في. فحذف (من). وعند الفراء (٣) ، تقديره كلمت [ه](٤) ، جاعلا فاه إلى فيّ.
فهو منصوب ب (جاعل) مضمر. وعند الخليل وسيبويه (٥) : فاه : في موضع الحال. وتقديره : كلمته مشافها. فوضع قولهم : فاه ، موضع مشافه. وهذا هو الصواب. لأنه جاء : كلمته فوه إلى في.
وتقديره : كلمته وفوه إلى في. فالجملة في موضع الحال. ألا ترى أن قولهم : جاءني زيد وأبوه راكب ، كقولهم : جاءني زيد راكبا أبوه. فكذا ، هاهنا ، قولهم : كلمته فاه إلى في ، كقولهم : كلمته وفوه إلى في. وإذا كان كذلك ، فلا حاجة إلى إضمار الفعل ، ولا إلى إضمار الجار ، للاستغناء عنهما ، إذا قلت : كلمته وفوه إلى في.
[فإن قلت] : فالحال لا تكون معرفة ، فكيف جاز في هذا؟.
[الجواب] : قد ذكرنا ، أنه قد جاء [٧٨ / ب] من الأحوال : الجمّاء الغفير ، ومررت به وحده.
فكذا هاهنا. وهذا شاذ ، كما أنّ ذاك شاذ.
ويونس (٦) يحمل قولهم : مررت به وحده ، على الظرف. فيلزمه أن يجيز : زيد وحده ، كما يجيزونه : زيد عنده ، فيقدر : مررت به وحده. أي : مررت به على حياله. وهذا لا يصح من يونس. أعني حمله وحده ، على الظرف. لأنهم قالوا : هو نسيج وحده ، وعيير وحده (٧) ، فأضافوا إليه. والإضافة إلى الظرف ، لا يجوز ، لا تقول : غلام عنده وجاز : نسيج وحده ، لأنه اسم ليس بظرف.
__________________
وفي الأصل : سادوك كابرا عن كابر ، وهو وهم.
(١) مجمع الأمثال ٢ : ١٣٧ (رقم ٣٠١٧).
(٢) ٨٤ : وسورة الانشقاق ١٩.
(٣) وكذلك الرماني. الكتاب ١ : ٣٧٧ هامش (٢) (هارون).
(٤) زيادة يقتضيها السياق.
(٥) الكتاب ١ : ٣٩١.
(٦) الكتاب ١ : ٣٧٧ ، وفيه : (زعم يونس : أن وحده بمنزلة عنده).
(٧) عيير وحده : كلمة في الذم لمن يأكل وحده ، ولا يخالط الناس ويعجب برأيه. اللسان (عير) ٤ : ٦٢٤ ، والتاج (عير) ١٣ : ١٧٦.