وليس هذا كقولهم : ضرب غلامه زيد ، و : (فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى) (٦٧) (١) لأن المفعول ينوى بعد الفاعل ، لأن مرتبته بعده ، ولا ينوى ب (منه) إذا وقع بعد (أحسن) في موضع آخر ، لأنه وقع في موقعه ، فهو كقولهم : ضرب غلامه زيدا. فلما كان هذان الوجهان يعرضان في هذه المسألة ، لم يكن بد من أن يرفع به الظاهر ، وإن لم يرفع ب (أفضل) منك ، ولا (منسئ معن).
والشيء إذا عرض فيه جهة واحدة ، فلم تعمل فيه تلك الجهة تأثيرا ، فبجهة أخرى تنضم إلى الأولى ، يستجاز ما لا يستجاز في غيره مع الجهة الواحدة.
قال سيبويه (٢) : ولو قلت : ما رأيت رجلا أحسن في عينه الكحل منه. وتجعل الهاء لرجل ، وتحذف منه التي للكحل ، جاز ، كما قالوا : الله أكبر ، ولم يقولوا : من كذا. ومثله : " ما من أيام أحبّ إلى الله فيها الصوم من عشر ذي الحجّة". وتقديره : أحبّ إلى الله فيها الصوم [٩٩ / ب] منه إليه من عشر ذي الحجة. فحذف (منه) التي للصوم. [قال الشاعر] :
٢٤٩ ـ مررت على وادي السبّاع ، فلا أرى |
|
كوادي السبّاع ، حين يظلم واديا |
أقلّ به ركب ، أتوه تئيّة |
|
وأخوف ، إلّا ما وقى الله ساريا (٣) |
وتقديره : أقلّ به ركب أتوه منهم به. فحذف (منهم) و (به). فالهاء في (به) الأولى تعود إلى (واد). وفي (به) الثانية تعود إلى (وادي السباع). فافهمه ، فإنه من لطائف العربية ، ومن لم يفهم مثل هذا حرم عليه تعاطيه ، لكتاب الله عز ، وجل ، وأخبار الرسول صلّى الله عليه وسلّم.
ومن لطائف هذا الباب : أنّ اسم الفاعل ، أو المصدر ، إذا وصفا ، لم يجز إعمالهما في شيء ، وخرجا بالوصف عن ذلك. لا يجوز : مررت برجل ضارب ظريف زيدا ، فتنصب (زيدا) ب (ضارب) بعد وصفك إياه ب (ظريف) لأنه إنما يعمل لشبهه بالفعل ، وقد خرج عن شبه الفعل بالوصف ، لأن الفعل لا يوصف. وإذا كان كذلك ، فقوله تعالى : (فَاجْعَلْ بَيْنَنا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً لا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنْتَ مَكاناً سُوىً)(٤). فقوله : (مكانا) : لم يعمل فيه قوله (موعدا) ، لأنه وصف بالجملة ، وهو قوله : (لا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنْتَ). ذكره أبو علي (٥) ثم ، قال : [وأما قول طفيل] :
٢٥٠ ـ وراكضة ، ما تستجنّ بجنّة |
|
بعير حلال غادرته مجعفل (٦) |
فنصب (بعير حلال) ب (راكضة) بعد وصفها بقوله : ما تستجن بجنة ، وكأنه يحمله على إضمار فعل آخر. ولم ينسب أبو علي البيت إلى طفيل ، ولم يذكر فيه جهة الاستدلال.
__________________
(١) ٢٠ : سورة طه ٦٧.
(٢) الكتاب ٢ : ٣٢.
(٣) البيتان من الطويل ، لسحيم بن وثيل الرياحي ، في : الكتاب ٢ : ٣٢ ، والتحصيل ٢٤٦ ، والخزانة ٨ : ٣٢٧ ، ٣٢٨.
(٤) ٢٠ : سورة طه ٥٨.
(٥) مجمع البيان ٧ : ١٥.
(٦) البيت من الطويل ، لطفيل الغنوي ، في : ديوانه ٦٨٥ ، وأمالي القالي ١ : ١٠٤ ، واللسان (جعل) ١ : ١١٣.
وبلا نسبة في : المخصص ٧ : ١٤٧.
جعفله : صرعه ، والمجعفل : المقلوب. حلال : مركب من مراكب النساء.