والثاني : بدل بعض من كل : كقولك : ضربت زيدا ، رأسه ، وصرفت وجوهها أوّلها ، بدلا من المضاف إليه. قال الله تعالى : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً)(١). فجر (من) على البدل من الناس ، بعضا من كل.
والثالث : بدل الاشتمال : كقوله تعالى : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ)(٢). فجر (قتالا) على البدل من (الشهر) لأنه مشتمل عليه. ومن رفع (قتالا) (٣) فكأنه أضمر همزة الاستفهام ، على تقدير : أقتال فيه ، وهو ضعيف جدا ، لأن إضمار الهمزة قد جاء إذا كان في الكلام دليل عليه ، مثل [قول الشاعر] :
٢٥٧ ـ لعمرك ، لا أدري ، وإن كنت داريا |
|
بسبع رمين الجمر ، أم بثمان (٤) |
أي : أبسبع؟. فحذف لدلالة (أم) عليها. إلا أن أبا الحسن ، قد قال ، في قوله تعالى : (وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَيَ)(٥) : إنّ المعنى : أو تلك نعمة ، فحذف الهمزة (٦). وقيل في قوله : (فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ)(٧) : إن التقدير : أفظنّ : فحذف (٨).
والرابع : بدل الغلط : وهو لا يجيء في الفصيح من الكلام ، كقولك : مررت برجل حمار ، أردت : بحمار ، فنسيت ، فقلت : برجل ، ثم تذكرت ، فقلت : بحمار. وحقه أن تقول : بل حمار.
[قال أبو الفتح] : ويجوز أن تبدل المعرفة من المعرفة ، والنكرة من النكرة ، والمعرفة [١٠٣ / أ] من النكرة ، والنكرة من المعرفة ، والمظهر من المظهر ، والمضمر من المضمر ، والمظهر من المضمر ، والمضمر من المظهر ، كل ذلك جائز.
فبدل المعرفة من المعرفة : قام أخوك زيد.
وبدل النكرة من النكرة ، نحو : مررت برجل ، غلام.
وبدل النكرة من المعرفة : مررت بزيد ، غلام امرأة. قال الله تعالى : (لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ (١٥) ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ)(٩) ، فأبدل (ناصية) من (الناصية). وقوله : بزيد ، غلام امرأة ، أبدل (غلاما) من (زيد) وهو على غير لفظه ، بخلاف الآية. فزعم الكوفي : أنّ هذا غير جائز ، وإنما ينبغي أن يكون إبدال النكرة من المعرفة ، إذا كان على لفظه. والأمر بخلاف ما قال ، لأن الأمرين قد جاءا.
__________________
(١) ٣ : سورة آل عمران ٩٧.
(٢) ٢ : سورة البقرة ٢١٧.
(٣) وهو : الأعرج. تفسير القرطبي ٣ : ٤٤.
(٤) البيت من الطويل ، لعمر بن أبي ربيعة ، في : ديوانه ٢٦٦ ، والكتاب ٣ : ١٧٥ ، والتحصيل ٤٤٢ ، والمقتضب ٣ : ٢٤٩ ، والمغني ١ : ١٤ ، والخزانة ١١ : ١٢٢ ، ١٢٤ ، ١٢٧ ، ١٣٢. وبلا نسبة في : ابن عقيل ٢ : ٢٣٠.
(٥) ٢٦ : سورة الشعراء ٢٢.
(٦) معاني القرآن ـ للأخفش ٢ : ٤٢٦ ، وتفسير القرطبي ١٣ : ٩٦ ، وفيه : رد النحاس على الأخفش.
(٧) ٢١ : سورة الأنبياء ٨٧.
(٨) والذي قال ذلك هو : سليمان ، أبو المعتمر. ينظر : القرطبي ١١ : ٣٣٢.
(٩) ٩٦ : سورة العلق ١٥ ، ١٦.