والصفة بخلاف هذا. فلو قلت : زيد ذهب عمرو أخوه ، امتنع من وجه ، وجاز من وجه. إن جعلت أخاه بدلا ، لم يجز ، لأنه في تقدير : زيد ذهب عمرو ، ذهب أخوه. فلا يكون في : ذهب عمرو ، عائد يعود إلى المبتدأ ، لأن البدل في تقدير تكرير العامل. وإن جعلت (أخاه) صفة لعمرو ، صحت المسألة ، لعود الضمير من الصفة إلى المبتدأ. والعائد من الصفة ، كالعائد من الموصوف ، لأن الصفة كالجزء من الموصوف ، وكبعض حروفه ، بدلالة : لا رجل ظريف في الدار ، ويا زيد بن عمرو ، ويا زيد الظريفاه ، في قول يونس (١). والبدل يفارق الصفة ، من جهة أخرى ، وهو أنه ، يجوز صفة الاسم بالجملتين. تقول : مررت برجل قام أبوه ، وبرجل أبوه قائم. فتصف المنكور بالاسمية والفعلية. ولا يجوز أن تبدل الجملة من المفرد ، لأن البدل في تقدير تكرير العامل. والعامل لا يستعمل مع هذه الجمل. وجاز الوصف بها ، كما جاز الوصل بها ، كما جاز الوصل بها في قولك : مررت بالذي قام أبوه ، وبالذي أبوه قائم ، من حيث إن الوصف كالوصل. ويفارق البدل الصفة ، من جهة أخرى.
وهو أن الصفة ينبغي أن تكون طبق الموصوف في : التعريف ، والتنكير ، والإظهار ، والإضمار ، والبدل بخلافه ، لأن إبدال النكرة من المعرفة ، والمعرفة من النكرة ، والمظهر من المضمر ، والمضمر من المظهر ، جائز حسن ، جاء به التنزيل على ما ذكره في الأصل. فهذا فرقان ما بينهما.
[قال أبو الفتح] : وعبرة البدل ، أن يصلح فيه حذف الأول ، وإقامة الثاني مقامه. هذا فيه نظر ، وقد اعتمده الحذاق. وإنما قالوا ذلك من حيث الإعراب ، لا أن الأول [١٠٢ / ب] ، يقدر إسقاطه من الكلام رأسا. ألا ترى أنه قد جاء : (وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ)(٢). فقوله : (أن يوصل) : في موضع الجر ، بدل من الهاء. ولو قدرنا إسقاط الهاء من اللام ، لم يكن في الصلة ، ما يعود إلى الموصول.
[قال الشاعر] :
٢٥٦ ـ وكأنه لهق السّراة ، كأنّه |
|
ما حاجبيه معيّن بسواد (٣) |
ف (حاجبيه) بدل من الهاء. ثم قال : معين ، ولو لم تكن عبرة البدل ، بالمبدل منه. لقال : معيّنان. فثبت أن المبدل منه معتبر ، معتمد ،. وإنما يكون ذلك في باب الإعراب.
ثم قسم البدل إلى أربعة أقسام : بدل الشيء من الشيء : وهما لعين واحد ، كقولك : رأيت زيدا ، أبا عبد الله. فأبو عبد الله ، هو زيد. ولو كان (أبو عبد الله) غيره ، لم يجز أن يكون بدلا منه. فإذن ، قول الرماني ، في قوله تعالى : (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ) (٤٩) (٤) : إن انتصاب كل على البدل من المنصوب ب (إنّ) فاسد.
__________________
(١) الكتاب ١ : ٤٢٨ ، وفيه : " زعم يونس أنه يقول : مررت بزيد مثلك ، إذا أرادوا بزيد المعروف بشبهك ، فتجعل مثلك معرفة".
(٢) ٢ : سورة البقرة ٢٧. وينظر : مجمع البيان ١ : ٦٩.
(٣) سبق ذكره رقم (٧٩).
(٤) ٥٤ : سورة القمر ٤٩.