الخليل (١) : أنّ الياء ، والكاف ، والهاء : مجرورة بالإضافة ، وأنّ (إيا) اسم مضمر. وذهب الزجاج (٢) إلى مثل هذا ، غير أنه ادعى : أنّ (إيا) اسم ظاهر. وذهب الفراء إلى أنّ (إياك) بكمالها : اسم. وقد كفانا الزجاج قول الفراء ، حيث قال : لم نر اسما تغير آخره ، لاختلاف المسمّين. ألا ترى أنه لا يقال : إنّ (عصاك) بكمالها ، اسم. فكيف جاز هذا في (إياك). والصحيح من هذه الأقاويل ، قول أبي الحسن (٣) : إنّ (إيا) اسم مضمر. فإذا كان مضمرا ، لم يضف إلى هذه الحروف ، لأن إضافة المضمر غير مشاهد ، وما جاء عنهم في ذلك شيء.
وأما قول العرب : " إذا بلغ الرجل الستين ، فإياه ، وإيا الشوابّ" (٤) ، فقد جعلوه في عداد الشواذ ، والنوادر. ومن قال : إنه اسم ظاهر ، قيل : لم نر اسما ظاهرا ، لزم طريقة واحدة ، إلا الظروف ، نحو : الآن ، وغيره. و (إيا) ليس بظرف ، فكيف لزم النصب في جميع الأحوال؟. وكفى ضعفا خروج القائل عن كلامهم. فالكاف ، والياء ، والهاء : حروف ، وليس مثلها في : عصاي ، وعصاك ، وعصاه. لأن ذلك مضاف ، لمّا كان مظهرا ، وهذا مضمر ، لا يجوز إضافته.
وأبو سعيد يزعم : أن (إيا) وصلة إلى التكلم بهذه الحروف. وذلك أن هذه الحروف كانت مفعولات ، نحو : رأيتك ، ورأيته ، ورأيتني. فلما قدموها على الفعل استقبحوا أن يقولوا (كرأيت) (وهو رأيت) و (إني رأيت). فجاؤوا ب (إيا) وصلة إلى هذه الحروف ، فهو من (أيّ) التي هي وصلة إلى نداء ما فيه اللام ، نحو : يا أيها الرجل. ف (إيا) عنده مشتق من (أيّ). وليس كما قال ، لأن المضمرات بمنزلة الحروف. والحروف لا يحكم باشتقاقها ، لجمودها ، وقلة تصرفها تصرف الأسماء ، والأفعال. ف (إياك) أبدا ، منصوب بفعل بعده [١١٢ / أ] ولا ينتصب بما قبله. وكذلك : إياي ، وإياه. فأما قوله تعالى : (وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ)(٥) ، فمنصوب بفعل مضمر مقدر بعده. والتقدير : وإياي فارهبوا. وقوله : (فارهبون) : تفسير له. ولو قدرت المضمر قبله ، قلت : فارهبوني. ولا يجوز : فارهبوا إياي.
واعلم أنّ قولهم : أنا ، وأنت ، وهو : يقعن فصلا بين المبتدأ ، والخبر ، إذا قلت : زيد قائم.
وتقول : زيد هو قائم. ف (هو) فصل. ومعنى الفصل : أنه يفصل بين الوصف ، والخبر. لو قلت : زيد القائم ، احتمل أن يكون القائم وصفا ، وخبرا ، فلما جئت ب (هو) علمت أنه خبر ، وليس بوصف. وهكذا يقع في باب العوامل الداخلة على المبتدأ ، والخبر ، نحو : كان ، وإنّ ، وظننت. قال الله تعالى : (إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ)(٦). وقال (وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَ)(٧).
__________________
(١) الكتاب ١ : ٢٧٩ ، ونصه : " قال الخليل : لو أن رجلا قال : إياك نفسك ، لم أعنفه ، لأن هذه الكاف مجرورة".
(٢) الإنصاف (مسألة ٩٨) ٢ : ٦٩٥.
(٣) وقد حكى السراج عن المبرد ، وعن أبي الحسن الأخفش مثل ذلك. ينظر : مجمع البيان ١ : ٢٥.
(٤) الكتاب ١ : ٢٧٩.
(٥) ٢ : سورة البقرة ٤٠.
(٦) ٨ : سورة الأنفال ٣٢.
(٧) ٣٤ : سورة سبأ ٦.