لحذفت في قوله : (الذكرين) (١) و (آللهُ خَيْرٌ)(٢) ، كما حذفت في قوله : (أَفْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً)(٣) و (أَصْطَفَى الْبَناتِ)(٤) و (أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ)(٥). ألا ترى : أن همزة الاستفهام ، لما دخلت على الفعل ، وهو : (افترى) و (اصطفى البنات) و (استغفرت) ، حذفت التي للوصل معها ، ولم تحذف في (الذّكرين) ، بل أبدلت ، مدة. فعلم أنه ليس مثله في (افترى).
[أقول] : اللام ، وحدها ، للتعريف ، دون الهمزة. والدليل على ذلك : اتصاله بالاسم ، كأحد حروفه. ألا ترى : أنك تقول : مررت بالرجل ، فتعمل الباء في الرجل. ولو كانت الألف ، واللام ، بمنزلة (هل) لم تعمل الباء في الاسم ، وكان فاصلا [١١٦ / ب] بين الجار ، والمجرور ، ولأن اللام ، في التعريف ، نقيض التنوين في التنكير. والتنوين : حرف واحد. فكذا ما بإزائه. تقول : مررت برجل ، فيكون نكرة. ومررت بالرجل ، فيكون معرفة.
[فإن قلت] : فأنت تقول : مررت بهذا ، فتعمل الباء في (ذا) ولا يكون (ها) فاصلة ، وإن كانت على حرفين. فما أنكرت أن يكون المعرّف الألف ، واللام ، ولا يكون فاصلة؟
[الجواب] : أنّ : (ها) للتوكيد ، بمنزلة (ما) في قوله : (فَبِما رَحْمَةٍ)(٦) و (فَبِما نَقْضِهِمْ)(٧). ولا يجدّد معنى وجودها ، لم يكن قبل وجودها ، سوى التأكيد. فلم يكن الفصل بها فصلا ، لمّا لم تغير المعنى. وليس كذلك اللام. لأن معنى قولك : مررت بالرجل ، غير معناه ، إذا قلت : مررت برجل.
ولهذا المعنى جاز للشاعر أن يجمع في القافية بين رجل ، والرجل ، وفرس ، والفرس. ولا يكون ذلك عيبا ، لاختلاف معناهما. فلما امتزج بالكلمة امتزاج أحد حروفه ، جاز أن يعمل ما قبلها ، فيما بعدها ، وإن غيّر المعنى. فلو لم يكن على حرف ، كان فاصلا غير ممتزج ، كانفصال : هل ، وبل ، وقد.
وأما إثباتها في : (الذّكرين) ، فلا يدل على أنها ألف قطع ، وإنما صح ذلك ، لأنهم لو حذفوها ، فقالوا : الرجل فعل كذا ، و : (الذكرين حرم) ، اشتبه الخبر بالاستخبار. فقالوا : الرجل فعل كذا ، في الاستخبار ، والرجل فعل كذا ، في الخبر ، لينفصل أحدهما من الآخر. وتقول : إني لأمر بالرجل مثلك ، فيكون الألف ، واللام في تقدير الطرح ، ليصح وصفه بمثلك. لأن (مثلك) نكرة ، أو لأن (الرجل) هاهنا ، ليس بمقصود قصده ، ولا يراد واحد بعينه ، وإن دخلته اللام ، كما قالوا في قوله تعالى : (صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ)(٨) : إن الذين ليس بمقصود قصدهم ، فجاز وصفه بالمنكور.
والقسم الخامس من المعارف : ما أضيف إلى أحد هذه الأربعة ، فاكتسى منه التعريف ، كما يكتسي منه سائر الأحكام على ما قدمنا.
__________________
(١) ٦ : سورة الأنعام ١٤٣.
(٢) ٢٧ : سورة النمل ٥٩.
(٣) ٣٤ : سورة سبأ ٨.
(٤) ٣٧ : سورة الصافات ١٥٣.
(٥) ٦٣ : سورة المنافقون ٦.
(٦) سورة آل عمران ١٥٩.
(٧) ٤ : سورة النساء ١٥٥.
(٨) ١ : سورة الفاتحة ٧.