وأما قولهم : اللهمّ ، اغفر لي ، في الدعاء ، أيضا ، فقد اختلفوا فيه. فذهب الخليل ، وسيبويه (١) إلى أن الميم المشددة اللاحقة ، في آخر الاسم ، بدل من (يا) التي تكون للنداء. فلا فرق بين أن يقال : يا الله ، وبين أن يقال : اللهمّ.
وقال الفراء (٢) : اللهم : أصله : الله أمّنا بخير. من : أمّه ، يؤمّه ، إذا قصده. فحذفوا الهمزة ، فصار : اللهم. قال : والدليل على بطلان قولهم : جواز : يا اللهمّ ، في الشعر. ولو كانت الميم ، بدلا من (يا) لم يجتمعا. لأنه لا يجوز الجمع بين العوض ، والمعوّض عنه.
وهذا الذي ذكره ، باطل ، لأنا نقول : اللهم ، أهلك الكافرين. ولو كان التقدير : الله أمّنا بخير ، لوجب [١١٩ / ب] أن يقال : وأهلك الكافرين. ولأنه يقال : اللهم ، اغفر لي. ولا يقال : اللهم ، واغفر لي. ولأنه لو كان أصله : الله أمّنا بخير ، فحذفت الهمزة ، لجاز استعماله ، أيضا. ألا ترى : أن شيئا ، وضوءا ، يقال فيه : شي ، وضو ، بحذف الهمزة ، ومع ذلك ، لا يمنع حذف الهمزة استعمالها ، أيضا. فكذا ، هاهنا.
فأما قولهم في الشعر : يا اللهم ، فإن الشاعر ، إذا اضطر ، جمع بين العوض ، والمعوض منه. ألا ترى : أنّ (فما) أصله : فوه ، بدليل قولهم : أفواه. فحذفوا الهاء ، وعوضوا من الواو ميما ، فقالوا : فم.
ثم يجمعون بين الواو ، والميم في ضرورة الشعر.
[قال الشاعر] :
٢٩٦ ـ هما نفثا في فيّ ، من فمويهما |
|
على الّنابح العاوي ، أشدّ رجام (٣) |
فجمع بين الواو ، والميم.
أما نداء المضاف ، نحو قولهم : يا غلامي ، فالوجه فيه فتح الياء. فيقال : يا غلامي. لأن هذه الياء بإزاء الكاف للمخاطب. فكما أنّ كاف المخاطب ، في نحو : غلامك ، مفتوح ، فكذا ينبغي أن يكون مفتوحا. ثم يجوز : يا غلامي ، بإسكان الياء ، لأن الياء أخت الألف. والألف لا تكون إلا ساكنة ، وكذا الياء. وعلى هاتين اللغتين : إنّي أعلم ، وإنّي أعلم. والوجه الثالث : أن تقول يا غلام ، فتحذف الياء ، وتجتزئ بالكسرة ، لأن الكسرة : أصل الياء ، والياء متولدة منها على ما بينا. وعلى هذا : (وَيا قَوْمِ ما لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجاةِ)(٤) و (يا عِبادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ)(٥) والوجه الرابع : أن تقول : يا غلاما ، تبدل من الكسرة فتحة ، فتنقلب الياء الفا ، كما قالوا في (ناصية) ناصاة. وفي (جارية) جاراة ، وفي (رضي) رضا.
[قال الشاعر] :
__________________
(١) الكتاب ٢ : ١٩٦.
(٢) معاني القرآن ١ : ٣٠٣ ، ومجمع البيان ٢ : ٤٢٧.
(٣) سبق ذكره رقم (٣٠).
(٤) ٤٠ : سورة غافر ٤١.
(٥) ٤٣ : سورة الزخرف ٦٨.