والثالث : أنهم اختلفوا في وصف (أيّ) من قولك : يا أيها الرجل. فلم يجز سيبويه ، في الرجل إلا الرفع (١). وأجاز أبو عثمان (٢) : الرفع ، والنصب. فقال ، في قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ)(٣) : لو قرأ واحد : يا أيها الناس ، جائز. قال : لأن الناس صفة منادى مفرد ، فجاز فيه : الرفع ، والنصب ، قياسا على قولهم : يا زيد الظريف. وهذا القياس ، لا يصح ، لأنه لو وقف في : يا زيد الظريف ، على قولهم : يا زيد ، ولم يذكر الظريف ، جاز. ولو اقتصر على قولهم : يا أيها ، دون الرجل ، لم يجز ، لأنه لا يتم ، ولا يفيد. فاتضح الفرق بينهما.
[فإن قلت] : فأنتم تقولون : لا يجمع بين (يا) وبين الألف ، واللام ، فلا يقال : يا الرجل. فما بالهم ، قالوا في الدعاء : يا الله. فجمعوا بين الألف ، واللام ، وبين (يا)؟.
[الجواب] : أنّ العرب ، قد خصت لفظة (الله) بخمسة أشياء :
[الأول] : أن يجوز الجمع فيه بين (يا) وبين الألف ، واللام ، بخلاف سائر الأسماء.
[الثاني] : أنهم قطعوا همزة الوصل ، مع الله ، فقالوا : يا الله. ولم يقولوا : يا الله ، كما قالوا : يا ابن فلان ، ولم يقولوا : يا إبن فلان.
[الثالث] : أنهم فخّموا لام لفظة الله ، إذا كان [١١٩ / أ] قبلها فتحة ، أو ضمة. نحو قولهم : إن الله غفور رحيم. والضمة ، (مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللهِ)(٤). فإن كان هناك كسرة ، رققوا ، نحو ، بسم الله ، وبالله ، وعن الله.
[الرابع] : أنهم قالوا في القسم : تا الله ، فأدخلوا التاء ، على هذه اللفظة ، خاصة ، دون غيرها.
فلم يقولوا : تالرحمن ، ولا تالرحيم.
[الخامس] : أنهم قالوا في القسم : ها الله ، ولم يقولوا ذلك في سائر الأسماء.
فهذه اللفظة مخصوصة ، بهذه الخمسة ، على أنهم قالوا في قولهم : يا الله ، إنما جاز الجمع بين (يا) وبين الألف ، واللام ، لأن الألف ، واللام ، هاهنا : بدل من همزة محذوفة ، وهي فاء الفعل. لأن الأصل فيه (إله) لأنه في الأصل : أله ، يأله ، إلها. ف (إله) مصدر سمي به المفعول. كما أنّ (الكتاب) اسم للمكتوب ، و (الخلق) اسم للمخلوق ، و (الضّرب) اسم للمضروب. ف (إله) اسم للمألوه.
فحذفت الهمزة ، وعوّضت منه الألف ، واللام ، فأدغمت لام التعريف في اللام التي في (لاه) فقالوا : الله.
قالوا : وجاز ذلك ، أعني : يا الله ، لأنّ (يا) إنما امتنعت من قولهم : يا الرجل ، لأنها للإشارة.
كما أن الألف ، واللام للإشارة ، والتعريف ، فلم يجتمعا هناك ، بخلاف : يا الله. ونظير ذلك ، قولهم : الناس. وأصله : أناس ، لأنه من الإنس ، فحذفت الهمزة التي هي فاء الفعل ، فصارت (ناسا) ثم أدخلت لام التعريف ، بدلا من الهمزة ، فقيل : الناس.
__________________
(١) الكتاب ٢ : ١٩٥.
(٢) أي : المازني. ينظر : مجمع البيان ١ : ٥٩.
(٣) ٢ : سورة البقرة ٢١.
(٤) ٦ : سورة الأنعام ١٢٤.