[فإن قلت] : فقد زعمتم أنه لا يجوز : رجل أقبل ، لأنه يجوز : يا أيها الرجل.
[قال الشاعر] :
٢٩٥ ـ جاري : لا تستنكري عذيري |
|
حلسي ، وإشفاقي على بعيري (١) |
يريد : يا جارية. فحذف (يا). وقد يقال : يا أيتها الجارية.
[الجواب] : قد زعم (٢) أن هذا لا يقاس عليه. قال : ومثله في المثل : " افتد مخنوق ، وأطرق كرا" (٣) ، أي : يا مخنوق ، ويا كروان.
واعلم أنّ كل اسم فيه الألف ، واللام ، لا يدخل عليه حرف النداء. لأن حرف النداء للتعريف ، والإشارة ، والألف ، واللام للتعريف ، أيضا ، فلا يجتمعان. فإذا أرادوا ذلك ، جاؤوا ب (أيّ). وجعل الاسم الذي فيه الألف ، واللام وصفا ل (أيّ). كقولك : يا أيّها الرجل. ف (يا) حرف النداء. وأيّ : منادى مبني على الضم. وها : للتنبيه. والرجل : صفة لأيّ.
وقد اختلف الناس في هذه اللفظة ، من أوجه :
الأول : أنّ مذهب سيبويه (٤) ، أنّ (أيا) هاهنا ، موصوف. ومذهب أبي الحسن ، [١١٨ / ب] أنّ (أيّا) هاهنا ، موصول. وأنّ الرجل : خبر مبتدأ مضمر ، على تقدير : يا أيها هو الرجل. والجملة : صلة ل (أيّ). وهذا خطأ ، لأن هذا المضمر قط لم يظهر ، هاهنا ، فكيف يكون صلة ، ل (أيّ)؟.
والثاني : أنّ (ها) في (أيّها) هاهنا ، للتنبيه ، عندنا. وزعم أبو إسحاق : أنّ (ها) عوض عن المضاف إليه. لأن حكم أيّ : أن يكون مضافا ، أبدا. فلما خلع عن الإضافة ، عوّض (٥) عن المضاف إليه (ها). وهذا الذي ذكره ، باطل ، أيضا. لأنا رأيناهم حذفوا المضاف إليه ، من أسماء ، ومع ذلك ، لم يعوضوا عنه شيئا. قال الله تعالى : (قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيها)(٦). والأصل : إنّا كلنا فيها ، فحذف المضاف إليه ، من (كلّ) ولم يعوّض شيء منه. وقال ، أيضا : (لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ)(٧). والتقدير : من قبل كل شي ، ومن بعد كل شيء. فحذف المضاف إليه ، ولم يعوّض منه. فما بال أبي إسحاق ، يزعم هذا ، وليس له نظير!؟.
__________________
(١) من الرجز ، للعجاج ، في : ديوانه ٢٦ ، والكتاب ٢ : ٢٣١ ، ٢٤١ (صدره) ، وابن يعيش ٢ : ١٦ ، واللسان (شقر) ٤ : ٤٢٢ ، والخزانة ٢ : ١٢٥.
(٢) أي : سيبويه. ينظر : الكتاب ٢ : ٢٣١.
(٣) هذان مثلان ، ف (افتد مخنوق) : يضرب في تخليص النفس من الشدة ، والأذى. التاج (خنق) ٢٥ : ٢٦٩ ، و (أطرق كرا) : يضرب للذليل يتعزز ، فيقال له : اغضض طرفك ، فهاهنا من أعز منك ، والمثل من الرجز ، وهو بتمامه :
أطرق كرا ، أطرق كرا |
|
إن النعام في القرى |
(٤) الكتاب ٢ : ١٩٣
(٥) المغني ١ : ٣٤٩.
(٦) ٤٠ : سورة غافر ٤٨.
(٧) ٣٠ : سورة الروم ٤.