يا زيدان ما أجمل عمرا ، ويا هند ، ما أجمل زيدا ؛ أي [تقول] شيء صيّر عمرا ذا جمال. كما تقول : أجرب الرجل [فإن قلت] فإذا كان الجار ، والمجرور ، في قوله : (أبصر بهم) ، في موضع الرفع لكونه فاعل (أسمع) فأين الفاعل ل (أبصر) وقد ذكرتم أن الفاعل لا يجوز حذفه ، فإن قلتم : فهو مضمر ، فما علامة الإضمار في قوله : (وأبصر)؟
[فالجواب] : الفاعل لا يحذف ولكن لما جرى ، هاهنا ، ظاهرا ، في الفعل الأول ، جاز إضماره في الثاني ، لجري ذكره ، مع الأول. ألا ترى أنّ سيبويه (١) ، لا يجيز العطف على عاملين ، كقولك : مررت بزيد في الدار ، والقصر عمرو ، على تقدير : وفي القصر عمرو ، لم يجز ذلك ، ثم أنشد [قول الشاعر] :
٣١٤ ـ أكلّ امرئ تحسبين امرءا |
|
ونار توقّد بالليل نارا (٢) |
فقال : التقدير : وكلّ نار ، فأضمر (كلا) لجري ذكره في الأول ، ولم يعطفه على الأول. فكذا ، هنا ، لا يجيز حذف الفاعل من (ضربني) و (ضربت) زيدا ، لا يجيز حذف الفاعل من (ضربني) حتى تقول في التثنية ، في قولهم : ضربني ضرباني ، وضربت الزيدين. ثم أجاز حذف الفاعل في :
(أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ) لجري ذكره في الأول.
[قال أبو الفتح] : وكل ما جاز فيه (ما أفعله) جاز فيه (أفعل به). وهو (أفعل منه) تقول : ما أحسن زيدا ، وأحسن به ، وزيد أحسن من عمرو. هذه الأشياء الثلاثة تستتب في الأفعال الثلاثية.
فأما ما زاد على ذلك ، أو كان في تقدير الزيادة ، لا يجيء منه أحد هذه الأشياء الثلاثة ؛ لأنه ، لا يمكن النطق به ، فإنما يتوصل إلى ذلك بفعل ثلاثي منه يصاغ لفظ التعجب ، ولفظ التفضيل ، ثم يوقع التعجب ، والتفضيل على مصدر ذلك الفعل الزائد على الثلاثي. كقولك في (دحرج) ما أشدّ دحرجة عمرو ، وأشدد بدحرجة عمرو ، وزيد أشدّ دحرجة من عمرو.
[فإن قلت] : فقد قال الله تعالى : (وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى وَأَضَلُّ سَبِيلاً) (٧٢) (٣). قوله : (أعمى) : أفعل التفضيل ، وانتم لا تجيزون : ما أعمى زيدا ، وما أعور زيدا ، ولا تجيزون : أعم بزيد ، وأعور بزيد. فهذه الآية تبطل قولكم.
[الجواب] : نعم .. التعجب لا يجيء من هذه الأشياء ؛ لأن هذه الأشياء ، في تقدير الزيادة. ألا ترى [١٣٠ / ب)] : أن عور في معنى (أعور) لأن هذا المعنى ، أعني : الألوان ، والأدواء ، إنما وضع له (افعلّ). والدليل عليه تصحيح الواو ، في (عور) و (حول). ولو لم يكن في معنى (اعورّ) و (احولّ) لقيل : عار ، وحال ، كما قالوا في (خوف) : خاف وفي (نوم) : نام ، إلا أنه قيل : ما أشدّ حوله ، وهو أشدّ عورا من زيد. وأما الآية ، فإن قوله (فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى) قالوا فيه : إنه من عمى القلب ، لا من عمى العين. فاعرفه.
__________________
(١) الكتاب ١ : ٦٦.
(٢) سبق ذكره رقم (٢٢٧) ، (٢٧٨).
(٣) ١٧ : سورة الإسراء ٧٢.