بالأجنبي لما ذكرنا من أن الموصول مع الصلة بمنزلة اسم واحد. ولا يجوز تقديم بعض الاسم على بعض فتقول : عجبت عمرا من ضرب زيد وأنت تريد : عجبت من ضرب زيد عمرا ولا تقول : عجبت أمس من ضرب زيد عمرا ، وأنت تريد : عجبت من ضرب أمس زيد عمرا ، على ما ذكرنا.
والدليل على أنه يجوز حذف الفاعل عند ذكر المصدر ، قول الله تعالى : (أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (١٤) يَتِيماً)(١). فحذف الفاعل ونصب (يتيما) بقوله (إطعام). وتقول : سرني قيامك يوم الجمعة ولو قلت : سرني يوم الجمعة قيامك على أن يكون (يوما) منتصبا بقوله : (قيامك) لم يجز وذلك لأن (المصدر) هو الموصول. و (يوم) من صلته ولا يجوز تقديم الصلة على الموصول.
(فإن قلت) : إنه يجوز الفصل بين (١٥٩ / ب) المصدر ، وبين معموله. والدليل عليه قول الله تعالى : (لَمَقْتُ اللهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمانِ فَتَكْفُرُونَ)(٢). فقوله (إذ) ظرف وهو منصوب. وعامله قوله (لمقت الله) وقد فصل بين المصدر وبين معموله بقوله : (أكبر من مقتكم).
(الجواب) : أنّ (إذ) محمول على مضمر دل عليه (مقت الله) وتقديره : مقتكم إذ تدعون إلى الإيمان ومثله : (وَكانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ)(٣) و : (وَأَنَا عَلى ذلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ)(٤). والتقدير :
وكانوا فيه من الزاهدين فيه. وأنا على ذلكم من الشاهدين على ذلك. لأن الألف واللام بمعنى (الذي). (قال الشاعر) :
٣٥٠ ـ ... |
|
كان جزائي ، بالعصا أن أجلدا (٥) |
في أحد التأويلين. وإذا كان كذلك فقوله تعالى : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (١٨٣) أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ)(٦). لم ينتصب (أياما) ب (الصيام) للفصل بينه وبين (أيام) بقوله (كما كتب) الذي هو صفة مصدر (كتب عليكم) ولا يجوز أيضا تعلق الكاف بمحذوف ، يكون حالا من (الصيام) لأنه يصير الحال منبئا بأن الاسم قد انقضى بكماله وآذن بتمامه فلا يجوز أيضا أن يكون في موضع الحال لأنه أيضا فصل بين المصدر وصلته فبطل قوله كما بطل قول أبي إسحاق. وصح قوله الآخر إنه على تقدير : صوموا أياما لكون الصيام مذكورا في أول الكلام.
__________________
(١) ٩٠ : سورة البلد ١٤ ، ١٥.
(٢) ٤٠ : سورة غافر ١٠.
(٣) ١٢ : سورة يوسف ٢٠.
(٤) ٢١ : سورة الأنبياء ٥٦.
(٥) من الرجز ، للعجاج ، وقبله :
ربيته حتى إذا تمعددا
وهو بهذه النسبة في : المحتسب ٢ : ٣١٠ ، والخزانة ٨ : ٤٣٩ ، ٤٣٠ ، ٤٣٢. وبلا نسبة في : إعراب ثلاثين سورة ٢١ ، وابن يعيش ٩ : ١٥١.
(٦) ٢ : سورة البقرة ١٨٣ ، ١٨٤.