والضرب (الثالث) : هو أن يدخل الألف ، واللام المصدر فتقول : أعجبني الضرب زيد عمرا فقال أبو علي في كتاب الإيضاح (١) : إنه لا يعمل إذا دخله الألف ، واللام. وذلك لأن الألف واللام ، لما دخلاه عرّفاه ، وأخرجاه عن شبهية الفعل ، لأن الفعل منكر ، والمصدر معرّف. وإذا كان كذلك ، فلا يجوز أن يعمل المصدر مع أنه قد خرج من شبيهة الفعل ، فوجب أن لا يعمل ، وذهب أكثر أهل النحو إلى إعماله مع دخول الألف واللام عليه. وأنشدوا في ذلك أشعارا ، واحتجوا بأبيات. منها (قول الشاعر) :
٣٤٩ ـ ضعيف الّنكاية أعداءه |
|
يخال الفرار يراخي الأجل (٢) |
فنصب : أعداءه بالنكاية ، وهو مصدر مع دخول الألف ، واللام عليه. قال أبو علي : تقديره : ضعيف النكاية في أعدائه. فحذف (في) فلما حذف (في) انتصب بنزع حرف الجر عنه. فأبو علي نصبه بحذف حرف الجر عنه. وعامة أهل النحو نصبوه بنفس المصدر الذي هو : النكاية.
والأولى أن يصار إلى إعماله لأن الله تعالى قال : (وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُ)(٣) ، قال أبو علي في الحجة ورجع عن القول الأول ، قال : ويومئذ : منصوب وناصبه (١٥٩ / أ) إنما هو المصدر الذي فيه الألف ، واللام فرجع وقال : المصدر إذا كان فيه الألف ، واللام ، فإنه يعمل (٤). وقال : هذا كقولهم : الوزن الدراهم. ونصب (الدراهم) (بالوزن). وهذا القول هو الأصح. لأن الله تعالى قال : (لا يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ)(٥). ف (من) رفع بالمصدر ، وهو (الجهر) وقال : (وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِ)(٦) ف (من) فاعل الشفاعة وإذا ثبت أن المصدر يعمل فنقول : المصدر مع ما بعده بمنزلة (أن) مع ما بعده. و (أن) موصولة وما بعدها صلتها ولا يجوز تقديم ما بعد (أن) و (أنّ) على ما قبلهما لأن الصلة لا تتقدم على الموصول للمعنى الذي سبق بيانه.
وكذلك أيضا المصدر إذا كان ما بعده بمنزلة (أن) فوجب أن لا يجوز تقديم ما بعد المصدر على المصدر ، وما قبله لأن المصدر موصول وما بعده صلته. فإذا قلت : أعجبني ضرب زيد عمرا ، أي : عجبت من أن ضرب زيد عمرا. فإذا ذكرت المصدر ، فقد ذكرت (أن) مع ما بعده وإذا ذكرت (أن) مع ما بعده ، فقد ذكرت المصدر. ولا يفصل بين المصدر وبين ما هو من صلته
__________________
(١) المقتصد ١ : ٥٦٣ ، ونصه : (وأقيس الوجوه الثلاثة في الإعمال الأول (أي : المنون) ثم المضاف. ولم أعلم شيئا من المصادر بالألف ، واللام معملا في التنزيل).
(٢) البيت من المتقارب ، بلا نسبة في : الكتاب ١ / ١٩٢ ، والتحصيل ١٥٥ ، وابن يعيش ٦ / ٥٩ ، ٦٤ ، وابن عقيل ٢ / ٩٥ ، وشرح شذور الذهب ٣٨٤ ، والمقتصد ١ / ٥٦٣ ، والخزانة ٨ / ١٢٧.
(٣) ٧ : سورة الأعراف ٨.
(٤) المقتصد ١ : ٥٦٣ ، ونصه : (ومثال ما أعمل من المصادر وفيه الألف واللام قولك أعجبني الضرب زيد عمرا) ومما جاء في الشعر من هذا قوله :
ضعيف النكاية أعداءه ... البيت
(٥) ٤ : سورة النساء ١٤٨.
(٦) ٤٣ : سورة الزخرف ٨٦.