٢٥ ـ دعوت ، لما نابني مسورا |
|
فلبّي ، فلبّي يدي مسور (١) |
ألا ترى أن له أن يقول : إن (لبيك) أصله : لبّى ، فوقف على لغة من قال في أفعى : أفعي (٢). فقال : لبّى ، ثم وصل ، كما وقف. قال : وهذا لا يكون تثنية ، كما زعمت ، يا صاحب الكتاب. وكيف لا يكون إجراء الوصل مجرى الوقف ، سعة ، وقد قرأ من الأئمة السبعة جماعة : (وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ)(٣) بتشديد الميم. ولا يحمل فيه (لمّا) على معنى (إلا) ولا على معنى (لمّ) ولا على معنى (حين) كما هو متعارف من معاني هذه الكلمة. ولكن يحمل على (لمّ) من قوله تعالى : (وَتَأْكُلُونَ التُّراثَ أَكْلاً لَمًّا) (١٩) (٤). أي : (وإنّ كلّا لمّا) (٥). والوقف عليه (لمّا) فوصل. كما وقف ، فكذا [١٢ / ب] شأن هذه الأشياء. [قال الشاعر] :
٢٦ ـ إذا تجرّد نوح قامتا معه |
|
ضربا أليما بسبت يلعج الجلدا (٦) |
فكسرة اللام ، ليست مثل الكسرة في قولك : مررت ببكر ، وإنما هي كسرة لإتباع كسرة الجيم. والإتباع في كلامهم كثير. وربما يبلغ حد السعة ويخرج عن حد الاضطرار. ألا ترى أنه قرأ من الأئمة السبعة ، غير المدني (٧) ، والشامي (٨) : (وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجادِلُونَ)(٩) بالنصب ، دون الرفع (١٠). وقد قال : إن تأتني أكرمك ، وأحدثك ، بنصب الثاء ، ليست في القوة كالرفع فيه ، لأنه
__________________
(١) البيت من المتقارب. بلا نسبة في : الكتاب ١ : ٣٥٢ ، والمغني ٢ : ٥٧٨ ، وابن عقيل ١ : ٥٣ ، ولرجل من بني أسد في اللسان (ل ب ب) ١ : ٧٣٢.
(٢) حدث الخليل ، وأبو الخطاب : أنها لغة لفزارة ، وناس من قيس. ينظر : الكتاب ٤ : ١٨١.
(٣) ١١ : سورة هود ١١١.
(٤) ٨٩ : سورة الفجر ١٩.
(٥) لم أجد من السبعة من قرأ (لما) بالتنوين ، وإنما قرأ بها : الزهري ، وسليمان بن أرقم. حجة القراءات ٣٥١ ، وإعراب القرآن ـ للنحاس ٢ : ١١٤ ، والكشاف ٢ : ٢٩٥ ، ومجمع البيان ١ : ٣٢٨ ، وتفسير القرطبي ٩ : ١٠٥ ، والبحر المحيط ٥ : ٢٦٦.
(٦) البيت من البسيط ، لعبد مناف بن ربع الهذلي ، في : ديوان الهذليين ٢ : ٣٣٣ ، والإنصاف ٢ : ٧٣٤ ، (شرح الشاهد رقم ٤٥٣) ، واللسان (جلد) ٣ : ١٢٤ ، وفيه : تجأوب ، بدل : تجرد ، والخزانة ٧ : ٤٥ ـ ٥٠.
تجرد : تهيأ. نوح : جمع نائحة. سبت : جلد مدبوغ تلطم به النساء النائحات وجوههن. يلعج : يحرق يقول : إذا تهيأ النساء للنياحة ، قامت ابنتاي معهن ، وقد ضربتا ضربا اليما يحرق الجلد.
(٧) المدني : هو أبو رويم ، نافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم ، الليثي (ت ١٦٩ ه). أخذ القراءة عن سبعين من التابعين ، منهم : أبو جعفر يزيد بن القعقاع ، وعبد الرحمن بن هرمز الأعرج ، وشيبة بن نصاح القاضي ، روى القراءة عنه : مالك بن أنس وأبو عمرو بن العلاء وعبد الملك بن قريب الأصمعي وآخرون. انتهت إليه رئاسة القراءة بالمدينة. ينظر : غاية النهاية ٢ : ٣٣٠ ـ ٣٣٤.
(٨) الشامي : هو عبد الله بن عامر ، الشامي ، اليحصبي ، ويكنى : أبا عمرو (ت ١١٨ ه). أخذ القراءة عن : أبي الدرداء ، والمغيرة بن أبي شهاب ، صاحب عثمان بن عفان ، وآخرين روى القراءة عنه : يحيى بن الحارث الذماري ، وأخوه عبد الرحمن ، وربيعة بن يزيد ، وآخرون. وقد انتهت إليه مشيخة الإقراء بالشام. ينظر : غاية النهاية ١ : ٤٢٣ ـ ٤٢٥.
(٩) ٤٢ : سورة الشورى ٣٥.
(١٠) السبعة ٥٨١ ، وحجة القراءات ٦٤٣ ، ومجمع البيان ٩ : ٣١ ، وتفسير الرازي ٢٧ : ١٧٦ ، وتفسير القرطبي ١٦ : ٣٤ ، والنشر ٢ : ٣٦٧.