تقدير الضمة ، دون التنوين ، فلا سبيل إلى الحذف. وأجمعا (١) مع يونس ، أنك لو ناديت اسم الفاعل من (أرى ، يري) قلت : يا مري. ولا يقول يونس : يامر ، كما قال يا قاض ، لأن في : يامر ، إجحافا بعد إجحاف. أعني حذف الياء ، بعد حذف الهمزة. وتوالي إعلالين مطرح في كلامهم.
وأما ما كان في آخره ألف مفردة ، فإنه يسمى : مقصورا. وإنما سمي مقصورا ، لأنه ممنوع عن ظهور الحركات في لفظه. وهو على ضربين : منصرف وغير منصرف ، فالمنصرف على ضربين : واوي ، ويائي. فالواوي ، نحو : عصا ، أصله : عصو ، أبدلت من الواو ألف ، لتحركها ، وانفتاح ما قبلها ، فصار عصا. وجاءت التنوين لتمكن الاسم فأوجبت حذف الألف لالتقاء الساكنين وكان التنوين بالإبقاء أولى ، للفرق بين المنصرف وغير المنصرف. وهكذا حكم اليائي. نحو : فتى أصله : فتين فأبدلت من الياء ألف على ما تقدم. قال الله تعالى : (يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئاً)(٢). فلم يجر الثاني ، كما لم يرفع الأول ، لأن الاسم مقصور. هذا حكمه في الوصل. فأما في حال الوقف ، فلا خلاف أنك تقف بالألف ، في الأحوال الثلاثة فتقول : هذه عصا ، ومررت بعصا ، ورأيت عصا. وإنما الخلاف في هذه الألف : من أية جهة جاءت؟! فسيبويه (٣) زعم أن الألف في موضع الرفع ، والجر ، هي التي حذفت من أجل التنوين ، في حالة الوصل ، وأنها في موضع النصب ، بدل من التنوين. وقال أبو عثمان (٤) : الألف في الأحوال [١٤ / ب] الثلاث ، بدل من التنوين. وقال السيرافي : الألف في الأحوال الثلاث ، هي المبدلة من الواو ، أو الياء (٥). والقول قول سيبويه ، لأن قياس المعتل على الصحيح ، ونحن قد حذفنا في الصحيح ، في موضع الرفع ، والجر : التنوين. فإذا حذفنا ، هاهنا ، عادت الألف. وفي الصحيح المنصوب ، أبدلنا من التنوين ألفا ، نحو : رأيت زيدا.
فليكن المعتل بهذه المثابة. وفائدة هذا الخلاف ، أنه إذا قلنا : الألف بدل من التنوين ، لم نجز فيها الإمالة. وإذا قلنا : الألف بدل من الياء ، أجزنا فيها الإمالة ، وقد جاء : (هذا هُدىً)(٦) ، بالإمالة.
فيكف يكون بدلا من التنوين؟!.
[فإن قلت] : فقد جاء (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى)(٧) بالإمالة ، وعلى زعمك : الألف
__________________
(١) أي : سيبويه ، والخليل.
(٢) ٤٤ : سورة الدخان ٤١.
(٣) ٤ : ١٨٧ ، إذ لم يذكر الشارح عبارة سيبويه بنصها ، وإنما ذكر فحواها ، ونص عبارته : (واما الألفات التي تذهب في الوصل ، فإنها لا تحذف في الوقف ، لأن الفتحة ، والألف أخف عليهم).
(٤) هو : أبو عثمان ، بكر بن محمد بن بقية ، المازني ، البصري (ت ٢٣٠ ه). روى عن أبي عبيدة ، والأصمعي ، وأبي زيد. كان متسعا في الرواية ، قديرا على الكلام ، قال تلميذه المبرد : لم يكن بعد سيبويه أعلم بالنحو من أبي عثمان. ينظر : نزهة الألباء ١٨٢ ـ ١٨٧.
(٥) شرح شافية ابن الحاجب ٢ : ٢٨٣.
(٦) ٤٥ : سورة الجاثية ١١.
أمالها : حمزة ، والكسائي ، غيث النفع ٣١٠.
(٧) ٢ : سورة البقرة ١٢٥.
أمالها : حمزة ، والكسائي ، وخلف ، والأعمش. إتحاف الفضلاء ١٤٧.