سمعت القاضي أبا الطّيب طاهر بن عبد الله الطّبريّ يقول : لقد جمع أبو بكر بن دريد قوافيه في صدفها (١) ، ووضع أوصافه في حقّها ، فيما رثى به أفصح الفقهاء لسانا ، وأبرعهم بيانا ، وأجزلهم ألفاظا ، وأغزرهم علما ، وأثبتهم نحيزة ، وأكثرهم نصيرة :
وإذا قرأت كلامه قدّرته |
|
سحبان أو يوفي على سحبان |
لو كان شاهده معدّ خاطبا |
|
وذوو الفصاحة من بني قحطان |
لأقرّ كلّ طائعين بأنه |
|
أولاهم بفصاحة وبيان |
هادي الأنام من الضلالة والعمى |
|
ومجيرها من جاحم النّيران |
ربّ العلوم إذا أجال قداحه |
|
لم يختلف في فوزهن اثنان |
ذو فطنة في المشكلات وخاطر |
|
أمضى وأنفذ من شباة سنان |
وإذا تفكّر عالم في كتبه |
|
يبغى التّقى وشرائط الإيمان |
متبيّنا للدين غير مقلّد |
|
يسمو بهمته إلى الرّضوان |
أضحت وجوه الحقّ في صفحاتها |
|
ترمى إليه بواضح البرهان |
من حجّة ضمن الوفاء بنصرها |
|
نصّ الرسول ومحكم القرآن |
ودلالة تجلو مطالع سيرها |
|
غرّ القرائح من ذوي الأذهان |
حتى ترى متبصرا في دينه |
|
مغلول غرب الشكّ بالإيقان |
الله وفّقه اتّباع رسوله |
|
وكتابه الأصلين في التبيان |
وأمدّه من عنده بمعونة |
|
حتى أناف بها على الأعيان |
وأراه بطلان المذاهب قبله |
|
ممّن قضى بالرأي والحسبان (٢) |
قال الشيخ أبو بكر لو استوفينا مناقب الشّافعيّ وأخباره لاشتملت على عدة من الأجزاء ، لكن اقتصرنا منها على هذا المقدار ، ميلا إلى التخفيف ، وإيثارا للاختصار ، ونحن نورد معالم الشّافعيّ ومناقبه على الاستقصاء في كتب نفرده لها ، إن شاء الله.
كان أحد الأئمة الحفّاظ الأثبات ، مشهورا بالعلم ، مذكورا بالفضل. وسمع محمّد
__________________
(١) في المطبوعة : (صدقها) تصحيف.
(٢) ـ انظر : تهذيب الكمال ٣٧٨ ، ٣٧٩.
(٣) ٤٥٥ ـ انظر : تاريخ أبى زرعة الدمشقي : ٧٨ ، ٧٩ ، ١١٦ ، ٣٢٧ ، والجرح والتعديل : ١ / ٣٤٩ ـ ٣٧٥ ، ـ