وإنما جاز فيه البدل ، لأنك لو قلت : ما في الدار إلا حمار صح المعنى. وقسم يتحتم فيه النصب على الاستثناء ولا يسوغ فيه البدل ، وهو ما لا يمكن توجه العامل عليه نحو : المال ما زاد إلا النقص. التقدير : لكن النقص حصل له ، فهذا لا يمكن أن يتوجه زاد على النقص ، لأنك لو قلت : ما زاد إلا النقص لم يصح المعنى ، والآية من هذا القسم ، لأنك لو قلت : لا يحب الله أن يجهر بالسوء إلا الظالم ، فيفرع أن يجهر لأنّ يعمل في الظالم لم يصح المعنى. وقال الزمخشري : ويجوز أن يكون من مرفوعا كأنه قيل : لا يحب الجهر بالسوء إلا الظالم ، على لغة من يقول : ما جاءني زيد إلا عمرو ، بمعنى : ما جاءني إلا عمرو. ومنه (لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللهُ) (١) انتهى.
وهذا الذي جوّزه الزمخشري لا يجوز ، لأنه لا يمكن أن يكون الفاعل يذكر لغوا زائدا ، ولا يمكن أن يكون الظالم بدلا من الله ، ولا عمرو بدلا من زيد ، لأن البدل في هذا الباب راجع في المعنى إلى كونه بدل بعض من كل ، إما على سبيل الحقيقة نحو : ما قام القوم إلا زيد ، وإما على سبيل المجاز نحو : ما في الدار أحد إلا حمار ، وهذا لا يمكن فيه البدل المذكور لا على سبيل الحقيقة ولا على سبيل المجاز ، لأنّ الله علم وكذا زيد هو علم ، فلا يمكن أن يتخيل فيه عموم ، فيكون الظالم بدلا من الله ، وعمرو بدلا من زيد. وأما ما يجوز فيه البدل من الاستثناء المنقطع فإنه يتخيل فيما قبله عموم ، ولذلك صح البدل منه على طريق المحاز ، وإن لم يكن بعضا من المستثنى منه حقيقة. وأما قول الزمخشري : على لغة من يقول ما جاءني زيد إلا عمرو ، فلا نعلم هذه اللغة ، إلا أنّ في كتاب سيبويه بعد أن أنشد أبياتا من الاستثناء المنقطع آخرها قول الشاعر :
عشية لا تغني الرّماح مكانها |
|
ولا النبل إلا المشرفي المصمم |
ما نصه وهذا يقوي : ما أتاني زيد إلا عمرو ، وما أعانه إخوانكم إلا إخوانه ، لأنها معارف ليست الأسماء الآخرة بها ولا منها ، انتهى كلام سيبويه. ولم يصرح ولا لوح أنّ قوله : ما أتاني زيد إلا عمرو من كلام العرب. وقيل : من شرح سيبويه ، فهذا يقوي : ما أتاني زيد إلا عمرو ، أي ينبغي أن يثبت هذا من كلامهم ، لأن النبل معرفة ليس بالمشرفي ، كما أنّ زيدا ليس بعمرو ، وكما أن إخوة زيد ليسوا إخوانكم انتهى. وليس ما أتاني زيد إلا عمرو نظيرا للبيت ، لأنه يتخيل عموم في البيت على سبيل المجاز ، كأنه قيل : لا يغني
__________________
(١) سورة النمل : ٢٧ / ٦٥.