إحداهما دنيوية والأخرى دينية فأما الدنيوية فإنها تثير الشرور والحقود وتؤول بشاربها إلى التقاطع وأكثر ما تستعمل في جماعة يقصدون التآنس باجتماعهم عليها والتودد والتحبب فتعكس عليهم الأمر ويصيرون إلى التباغض لأنها مزيلة للعقل الذي هو ملاك الأشياء ، قد يكون في نفس الرجل الشيء الذي يكتمه بالعقل فيبوح به عند السكر فيؤدّي إلى التلف ، ألا ترى إلى ما جرى إلى سعد وحمزة ، وما أحسن ما قال قاضي الجماعة أبو القاسم أحمد بن يزيد بن بقي ، وكان فقيها عالما على مذهب أهل الحديث ، فيما قرأته على القاضي العالم أبي الحسن بن عبد العزيز بن أبي الأحوص عنه رضياللهعنهما بكرمه :
ألا إنما الدنيا كراح عتيقة |
|
أراد مديروها بها جلب الأنس |
فلما أداروها أنارت حقودهم |
|
فعاد الذي راموا من الأنس بالعكس |
وأما الميسر فإن الرجل لا يزال يقامر حتى يبقى سليبا لا شيء له ، وينتهي من سوء الصنيع في ذلك أن يقامر حتى على أهله وولده فيؤدّي به ذلك إلى أن يصير أعدى عدوّ لمن قمره وغلبه لأن ذلك يؤخذ منه على سبيل القهر والغلبة ولا يمكن امتناعه من ذلك ولذلك قال بعض الجاهلية :
لو يسيرون بخيل قد يسرت بها |
|
وكلّ ما يسر الأقوام مغروم |
وأما الدينية فالخمر لغلبة السرور بها والطرب على النفوس والاستغراق في الملاذ الجسمانية تلهي عن ذكر الله وعن الصلاة ، والميسر إن كان غالبا به انشرحت نفسه ومنعه حب الغلب والقهر والكسب عن ذكر الله تعالى ، وإن كان مغلوبا فما حصل له من الانقباض والندم والاحتيال على أنه يصير غالبا لا يخطر بقلبه ذكر الله لأنه تعالى لا يذكره إلا قلب تفرغ له واشتغل به عما سواه ، وقد شاهدنا من يلعب بالنرد والشطرنج يجري بينهم من اللجاج والحلف الكاذب وإخراج الصلاة عن أوقاتها ما يربأ المسلم عنه بنفسه ، هذا وهم يلعبون بغير جعل شيء لمن غلب فكيف يكون حالهم إذا لعبوا على شيء فأخذه الغالب وأفرد الخمر والميسر هنا وإن كانا قد جمعا مع الأنصاب والأزلام تأكيدا لقبح الخمر والميسر وتبعيدا عن تعاطيهما فنزلا في الترك منزلة ما قد تركه المؤمنون من الأنصاب والأزلام والعداوة تتعلق بالأمور الظاهرة ، وعطف على هذا ما هو أشد وهو البغضاء لأن متعلقها القلب لذلك عطف على ذكر الله ما هو ألزم وأوجب وآكد وهو الصلاة ، وفيما ينتجه الخمر والميسر من العداوة والبغضاء والصدّ عن ذكر الله وعن الصلاة أقوى دليل على