وغيرهم. وهذا فيه بعد لكثرة الفواصل بين البدل والمبدل منه ، ولأن المعطوف على السبب سبب ، فيلزم تأخر بعض أجزاء السبب الذي للتحريم في الوقت عن وقت التحريم ، فلا يمكن أن يكون جزء سبب أو مسببا إلا بتأويل بعيد وبيان ذلك أن قولهم على مريم بهتانا عظيما ، وقولهم : إنا قتلنا المسيح ، متأخر في الزمان عن تحريم الطيبات عليهم ، فالأولى أن يكون التقدير : لعناهم ، وقد جاء مصرحا به في قوله : (فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً) (١).
(فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلاً) تقدم تفسير هذه الجملة فأغنى عن إعادته.
(وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلى مَرْيَمَ بُهْتاناً عَظِيماً) الظاهر في قوله : وبكفرهم ، وقولهم أنه معطوف على قوله : فبما نقضهم وما بعده. على أن الزمخشري أجاز أن يكون قوله : وبكفرهم وقولهم ، معطوفا على بكفرهم. وتكرار نسبة الكفر إليهم بحسب متعلقاته ، إذ كفروا بموسى ، ثم بعيسى ، ثم بمحمد عليهالسلام ، فعطف بعض كفرهم على بعض. قال الزمخشري : أو عطف مجموع المعطوف على مجموع المعطوف عليه ، كأنه قيل : فبجمعهم بين نقض الميثاق والكفر بآيات الله وقتلهم الأنبياء وقولهم : (قُلُوبُنا غُلْفٌ) (٢) ، وجمعهم بين كفرهم وبهتهم مريم ، وافتخارهم بقتل عيسى عليهالسلام ، عاقبناهم. أو بل طبع الله عليها وجمعهم بين كفرهم ، وكذا وكذا. وقال الزمخشري أيضا : (فإن قلت) : هلا زعمت أنّ المحذوف الذي تعلقت به الباء ما دل عليه قوله : بل طبع الله عليها بكفرهم؟ (قلت) : لم يصح هذا التقدير ، لأن قوله : بل طبع الله عليها بكفرهم ، ردّ وإنكار لقولهم : قلوبنا غلف ، فكان متعلقا به انتهى. وهو جواب حسن ، ويمتنع من وجه آخر وهو أنّ العطف ببل يكون للإضراب عن الحكم الأول ، وإثباته للثاني على جهة إبطال الأول ، أو الانتقال عاما في كتاب الله في الإخبار ، فلا يكون إلا للانتقال. ويستفاد من الجملة الثانية ما لا يستفاد من الجملة الأولى. والذي قدّره الزمخشري لا يسوغ فيه هذا الذي قرّرناه ، لأن قوله : فبما نقضهم ميثاقهم وكفرهم بآيات الله ، وقولهم : قلوبنا غلف بل طبع الله عليها بكفرهم ، فأفادت الجملة الثانية ما أفادت الجملة الأولى وهو لا يجوز. لو قلت : مر زيد بعمرو ، بل مر زيد بعمرو ، لم يجز. وقد أجاز ذلك أبو البقاء وهو أن يكون
__________________
(١) سورة المائدة : ٥ / ١٣.
(٢) سورة النساء : ٤ / ١٥٥.