الجملة قيل : حال. وقيل : صفة على تقدير نية الانفصال أي : وكلمة منه. ومعنى روح منه أي : صادرة ، لأنه ذو روح وجد من غير جزء من ذي روح ، كالنطفة المنفصلة من الأب الحي ، وإنما اخترع اختراعا من عند الله وقدرته. وقال أبي بن كعب : عيسى روح من أرواح الله تعالى الذي خلقها واستنطقها بقوله : (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى) (١) بعثه الله إلى مريم فدخل. وقال الطبري وأبو روق : وروح منه أي نفخة منه ، إذ هي من جبريل بأمره. وأنشد بيت ذي الرمة :
فقلت له اضممها إليك وأحيها |
|
بروحك واجعله لها قيتة قدرا |
يصف سقط النار وسمي روحا لأنه حدث عن نفخة جبريل. وقيل : ومعنى وروح منه أي رحمة. ومنه (وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ) (٢). وقيل : سمي روحا لإحياء الناس به كما يحيون بالأرواح ، ولهذا سمي القرآن روحا. وقيل : المعنى بالروح هنا الوحي أي : ووحي إلى جبريل بالنفخ في درعها ، أو إلى ذات عيسى أن كن ، ونكر وروح لأن المعنى على تقدير صفة لا على إطلاق روح ، أي : وروح شريفة نفيسة من قبله تعالى. ومن هنا لابتداء الغاية ، وليست للتبعيض كما فهمه بعض النصارى فادعى أنّ عيسى جزء من الله تعالى ، فرد عليه علي بن الحسين بن وافد المروزي حين استدل النصراني بأنّ في القرآن ما يشهد لمذهبه وهو قوله : وروح منه ، فأجابه ابن وافد بقوله : (وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ) (٣). وقال : إن كان يجب بهذا أن يكون عيسى جزأ منه وجب أن يكون ما في السموات وما في الأرض جزأ منه ، فانقطع النصراني وأسلم. وصنف ابن فايد إذ ذاك كتاب النظائر.
(فَآمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ) أي الذين من جملتهم عيسى ومحمد عليهماالسلام.
(وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ) خبر مبتدأ محذوف أي : الآلهة ثلاثة. قال الزمخشري : والذي يدل عليه القرآن التصريح منهم بأن الله والمسيح ومريم ثلاثة آلهة ، وأن المسيح ولد الله من مريم. ألا ترى إلى قوله : (أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ) (٤).
وقالت النصارى : المسيح ابن الله ، والمشهور المستفيض عنهم أنهم يقولون في المسيح لاهوتيته وناسوتيته من جهة الأب والأم ، ويدل عليه قوله : إنما المسيح عيسى ابن مريم ،
__________________
(١) سورة الأعراف : ٧ / ١٧٢.
(٢) سورة المجادلة : ٥٨ / ٢٢.
(٣) سورة الجاثية : ٤٥ / ١٣.
(٤) سورة المائدة : ٥ / ١١٦.