(وَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ) الظاهر عود الضمير في عليه إلى المصدر المفهوم من قوله : فكلوا ، أي على الأكل. وفي الحديث في صحيح مسلم «سم الله وكل مما يليك» وقيل : يعود على ما أمسكن ، على معنى : وسموا عليه إذا أدركتم ذكاته ، وهذا فيه بعد. وقيل : على ما علمتم من الجوارح أي : سموا عليه عند إرساله لقوله : «إذا أرسلت كلبك وذكرت اسم الله فكل» واختلفوا في التسمية عند الإرسال : أهي على الوجوب؟ أو على الندب؟ والمستحب أن يكون لفظها بسم الله والله أكبر. وقول من زعم : إنّ في الكلام تقديما وتأخيرا ، وإنّ الأصل : فاذكروا اسم الله عليه وكلوا مما أمسكن عليكم ، قول مرغوب عنه لضعفه.
(وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ) لما تقدم ذكر ما حرّم وأحلّ من المطاعم أمر بالتقوى ، فإنّ التقوى بها يمسك الإنسان عن الحرام. وعلل الأمر بالتقوى بأنه تعالى سريع الحساب لمن خالف ما أمر به من تقواه ، فهو وعيد بيوم القيامة ، وأن حسابه تعالى إياكم سريع إتيانه ، إذ يوم القيامة قريب. أو يراد بالحساب المجازاة ، فتوعد من لم يتق بمجازاة سريعة قريبة ، أو لكونه تعالى محيطا بكل شيء لا يحتاج في الحساب إلى مجادلة عدّ ، بل يحاسب الخلائق دفعة واحدة.
(الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ) فائدة إعادة ذكر إحلال الطيبات التنبيه بإتمام النعمة فيما يتعلق بالدنيا ، ومنها إحلال الطيبات كما نبه بقوله : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي) (١) على إتمام النعمة في كل ما يتعلق بالدين. ومن زعم أنّ اليوم واحد قال : كرره ثلاث مرات تأكيدا ، والظاهر أنها أوقات مختلفة. وقد قيل في الثلاثة : إنها أوقات أريد بها مجرد الوقت ، لا وقت معين. والظاهر أنّ الطيبات هنا هي الطيبات المذكورة قبل.
(وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ) طعامهم هنا هي الذبائح كذا قال معظم أهل التفسير. قالوا : لأنّ ما كان من نوع البر والخبز والفاكهة وما لا يحتاج فيه إلى ذكاة لا يختلف في حلها باختلاف حال أحد ، لأنها لا تحرم بوجه سواء كان المباشرة لها كتابيا ، أو مجوسيا ، أم غير ذلك. وأنها لا يبقى لتخصيصها بأهل الكتاب فائدة ، ولأن ما قبل هذا في بيان الصيد والذبائح فحمل هذه الآية على الذبائح أولى. وذهب قوم إلى أنّ المراد بقوله :
__________________
(١) سورة المائدة : ٥ / ٣.