واستثنى الخطأ ، والاستثناء من النفي إثبات ، ومن التحريم إباحة ، وقتل الخطأ ليس بمباح بالإجماع ، وفي كونه حراما كلام انتهى.
وملخص ما بني على هذا أنه إن كان نفيا وأريد به معنى النهي كان استثناء منقطعا إذ لا يجوز أن يكون متصلا لأنه يصير المعنى : إلا خطأ فله قتله. وإن كان نفيا أريد به التحريم ، فيكون استثناء متصلا إذ يصير المعنى : إلا خطأ بأن عرفه كافرا فقتله ، وكشف الغيب أنه كان مؤمنا ، فيكون قد أبيح الإقدام على قتل الكفرة ، وإن كان فيهم من أسلم إذا لم يعلم بهم ، فيكون الاستثناء من الحظر إباحة. وقال بعض أهل العلم : المعنى وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا عمدا ولا خطأ فيكون إلا بمعنى : ولا ، وأنكر الفراء هذا القول ، وقال : مثل هذا لا يجوز ، إلا إذا تقدم استثناء آخر ، ويكون الثاني عطف استثناء على استثناء ، كما في قول الشاعر :
ما بالمدينة دار غير واحدة |
|
دار الخليفة إلا دار مروانا |
وروى أبو عبيدة عن يونس أنه سأل رؤبة بن العجاج عن هذه الآية فقال : ليس له أن يقتله عمدا ولا خطأ ، ولكنه أقام إلا مقام الواو ، وهو كقول الشاعر :
وكل أخ مفارقه أخوه |
|
لعمر أبيك إلا الفرقدان |
والذي يظهر أن قوله : إلا خطأ ، استثناء منقطع ، وهو قول الجمهور منهم : أبان بن تغلب. والمعنى : لكن المؤمن قد يقتل المؤمن خطأ ، والقتل عند مالك عمد وخطأ ، فيقاد باللطمة ، والعضة ، وضرب السوط مما لا يقتل غالبا. وعند الشافعي : عمد ، وشبه عمد. ولا قصاص في شبه العمد ، ولا الخطأ. وعند أبي حنيفة : عمد ، وخطأ ، وشبه ، عمد ، وما ليس بخطأ ولا عمد ولا شبه عمد. والخطأ ضربان : أن يقصد رمي مشرك أو طائر فيصيب مسلما ، أو يظنه مشركا لكونه عليه سيما أهل الشرك ، أو في حيزهم. وشبه العمد ما يعمد بما لا يقتل غالبا من حجر أو عصا ، وما ليس بخطأ ولا عمد ولا شبه عمد قتل الساهي والنائم. وقرأ الجمهور خطاء على وزن بناء. وقرأ الحسن والأعمش : على وزن سماء ممدودا. وقرأ الزهري : على وزن عصا مقصورا لكونه خفف الهمزة بإبدالها ألفا ، أو إلحاقا بدم ، أو حذف الهمزة حذفا كما حذف لام دم. وقال ابن عطية : وجوه الخطأ كثيرة ، ومربطها عدم القصد.
(وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا)