لهم صواهل في صم السّلاح كما |
|
صاح القسيات في أيدي الصياريف |
وقال آخر :
فما زادوني غير سحق عمامة |
|
وخمس ميء فيها قسي وزائف |
قال الفارسي : هذه اللفظة معربة وليست بأصل في كلام العرب. وقال الزمخشري وقرأ عبد الله قسية أي رديئة مغشوشة من قولهم : درهم قسي ، وهو من القسوة ، لأن الذهب والفضة الخالصتين فيهما لين ، والمغشوش فيه يبس وصلابة. والقاسي والقاسح بالحاء إخوان في الدلالة على اليبس والصلابة انتهى. وقال المبرد : سمي الدرهم الزائف قسيّا لشدته بالغش الذي فيه ، وهو يرجع إلى المعنى الأول ، والقاسي والقاسح بمعنى واحد انتهى. وقول المبرد : مخالف لقول الفارسي ، لأن المعهود جعله عربيا من القسوة ، والفارسي جعله معربا دخيلا في كلام العرب وليس من ألفاظها.
وقرأ الهيصم بن شراح : قسية بضم القاف وتشديد الياء ، كحيى. وقرئ بكسر القاف اتباعا. وقال الزمخشري : خذلناهم ومنعناهم الألطاف حتى قست قلوبهم ، أو أملينا لهم ولم نعاجلهم بالعقوبة حتى قست انتهى. وهو على مذهبه الاعتزالي. وأما أهل السنة فيقولون : إن الله خلق القسوة في قلوبهم.
(يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ) أي يغيرون ما شق عليهم من أحكامها ، كآية الرجم بدلوها لرؤسائهم بالتحميم وهو تسويد الوجه بالفحم قال معناه ابن عباس وغيره ، وقالوا : التحريف بالتأويل لا بتغيير الألفاظ ، ولا قدرة لهم على تغييرها ولا يمكن. ألا تراهم وضعوا أيديهم على آية الرجم؟ وقال مقاتل : تحريفهم الكلم هو تغييرهم صفة الرسول أزالوها وكتبوا مكانها صفة أخرى فغيروا المعنى والألفاظ ، والصحيح أن تحريف الكلم عن مواضعه هو التغيير في اللفظ والمعنى ، ومن اطلع على التوراة علم ذلك حقيقة ، وقد تقدم الكلام على هذا المعنى. وهذه الجملة وما بعدها جاءت بيانا لقسوة قلوبهم ، ولا قسوة أشد من الافتراء على الله تعالى وتغيير وحيه. وقرأ أبو عبد الرحمن والنخعي الكلام بالألف. وقرأ أبو رجاء : الكلم بكسر الكاف وسكون اللام. وقرأ الجمهور : الكلم بفتح الكاف.
(وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ) وهذا أيضا من قسوة قلوبهم وسوء فعلهم بأنفسهم ، حيث ذكروا بشيء فنسوه وتركوه ، وهذا الحظ من الميثاق المأخوذ عليهم. وقيل : لما غيروا ما غيّروا من التوراة استمروا على تلاوة ما غيروه ، فنسوا حظا مما في التوراة قاله مجاهد.