الإيمان بالله والرسل وبأفعال الخير. وقيل : الضمير في ميثاقهم عائد على بني إسرائيل ، ويكون مصدرا شبيها أي : وأخذنا من النصارى ميثاقا مثل ميثاق بني إسرائيل. وقيل : ومن الذين معطوف على قوله : منهم ، من قوله : (وَلا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ) (٥) منهم أي من اليهود ، ومن الذين قالوا إنا نصارى. ويكون قوله : أخذنا ميثاقهم مستأنفا ، وهذا فيه بعد للفصل ، ولتهيئة العامل للعمل في شيء وقطعه عنه دون ضرورة. وقال قتادة : أخذ على النصارى الميثاق كما أخذ على أهل التوراة أن يؤمنوا بمحمد صلىاللهعليهوسلم ، فتركوا ما أمروا به. وقال غيره : أخذ الميثاق عليهم بالعمل بالتوراة ، وبكتب الله المنزلة وأنبيائه ورسله. وفي قوله : قالوا إنا نصارى ، توبيخ لهم وزجر عما ادعوه من أنهم ناصر ودين الله وأنبيائه ، إذ جعل ذلك منهم مجرد دعوى لا حقيقة. وحيث جاء النصارى من غير نسبة إلى أنهم قالوا عن أنفسهم ذلك ، فإنما هو من باب العلم لم يلحظ فيه المعنى الأول الذي قصدوه من النصر ، كما صار اليهود علما لم يحلظ فيه معنى قوله : هدنا إليك. وقال الزمخشري : (فإن قلت) : فهلا قيل : ومن النصارى؟ (قلت) : لأنهم إنما سموا بذلك أنفسهم ادعاء لنصرة الله ، وهم الذين قالوا لعيسى : نحن أنصار الله ثم اختلفوا بعد إلى نسطورية ويعقوبية وملكانية انتهى. وقد تقدم في أوائل البقرة أنه قيل : سموا نصارى لأنهم من قرية بالشام تسمى ناصرة ، وقوله : وهم الذين قالوا لعيسى نحن أنصار الله القائل لذلك هم الحواريون ، وهم عند الزمخشري كفار ، وقد أوضح ذلك على زعمه في آخر هذه السورة ، وعند غيره مؤمنون ، ولم يختلفوا هم ، إنما اختلف من جاء بعدهم ممن يدعي تبعيتهم.
(فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ) قال أبو عبد الله الرازي : في مكتوب الإنجيل أن يؤمنوا بمحمد صلىاللهعليهوسلم. والحظ هو الإيمان به ، وتنكيرا لحظ يدل على أن المراد به حظ واحد وهو الإيمان بالرسول ، وخص هذا الواحد بالذكر مع أنهم تركوا أكثر ما أمرهم الله به ، لأنّ هذا هو المعظم والمهم.
(فَأَغْرَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) الضمير في بينهم يعود على النصارى قاله الربيع. وقال الزجاج : النصارى منهم والنسطورية واليعقوبية والملكانية ، كل فرقة منهم تعادي الأخرى. وقيل : الضمير عائد على اليهود والنصارى ، أي : بين اليهود والنصارى قاله مجاهد ، وقتادة ، والسدّي : فإنهم أعداء يلعن بعضهم بعضا ويكفر بعضهم بعضا.
__________________
(٥) سورة المائدة : ٥ / ١٣.