متظافرين على إقامة الحدود أقوال أربعة. وفصل بعض العلماء فقال : إن كان في البلد إمام أو نائب له فالخطاب متوجه إليه ، فإن لم يكن وفيها حاكم فالخطاب متوجه إليه ، فإن لم يكن فإلى عامة المؤمنين ، وهو من فروض الكفاية إذ ذاك ، إذا قام به بعضهم سقط عن الباقين. والظاهر من قوله : فاقطعوا أيديهما أنه يقطع من السارق الثنتان ، لكن الإجماع على خلاف هذا الظاهر ، وإنما يقطع من السارق يمناه ، ومن السارقة يمناها. قال الزمخشري : أيديهما يديهما ونحوه : (فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما) (١) اكتفى بتثنية المضاف إليه عن تثنية المضاف ، وأريد باليدين اليمينان بدليل قراءة عبد الله : والسارقون والسارقات فاقطعوا أيمانهم انتهى. وسوى بين أيديهما وقلوبكما وليسا بشيئين ، لأن باب صغت قلوبكما يطرد فيه وضع الجمع موضع التثنية ، وهو ما كان اثنين من شيئين كالقلب والأنف والوجه والظهر ، وأمّا إن كان في كل شيء منهما اثنان كاليدين والأذنين والفخذين فإن وضع الجمع موضع التثنية لا يطرد ، وإنما يحفظ ولا يقاس عليه. لأن الذهن إنما يتبادر إذا أطلق الجمع لما يدل عليه لفظه ، فلو قيل : قطعت آذان الزيدين ، فظاهره قطع أربعة الآذان ، وهو استعمال اللفظ في مدلوله. وقال ابن عطية : جمع الأيدي من حيث كان لكل سارق يمين واحدة ، وهي المعرّضة للقطع في السرقة ، وللسراق أيد ، وللسارقات أيد ، كأنه قال : اقطعوا أيمان النوعين ، فالتثنية للضمير إنما هي للنوعين. وظاهر قوله : أيديهما ، أنه لا يقطع الرجل ، فإذا سرق قطعت يده اليمنى ، ثم إن سرق قطعت يده اليسرى ، ثم إن سق عزّر وحبس ، وهو مذهب مالك والجمهور ، وبه قال : أبو حنيفة والثوري. وقال عليّ ، والزهري ، وحماد بن أبي سلمة ، وأحمد : تقطع يده اليمنى ، ثم إن سرق قطعت رجله اليسرى ، ثم إن سرق عزّر وحبس. وروى عطاء : لا تقطع في السرقة إلا اليد اليمنى فقط ، ثم إن سرق عزّر وحبس. وقال الشافعي : إذا سرق أولا قطعت يده اليمنى ، ثم في الثانية رجله اليسرى ، ثم في الثالثة يده اليسرى ، ثم في الرابعة رجله اليمنى ، وروي هذا عن عمر. قيل : ثم رجع إلى قول عليّ. وظاهر قطع اليد أنه يكون من المنكب من المفصل. وروي عن عليّ : أنه في اليد من الأصابع ، وفي الرّجل من نصف القدم وهو معقد الشرك. وروي مثله عن عطاء ، وأبي جعفر. وقال أبو صالح السمان : رأيت الذي قطعه عليّ مقطوعا من أطراف الأصابع ، فقيل له : من قطعك؟ قال : خير الناس. والظاهر أنّ المترتب على السرقة هو قطع اليد فقط. فإن كان المال قائما بعينه أخذه صاحبه ، وإن كان السارق
__________________
(١) سورة التحريم : ٦٦ / ٤.