الخوف أعظم من الجهاد ، فكان ذلك ترقيا من الأدنى إلى الأعلى. ويحتمل أن تكون الواو في : ولا يخافون ، واو الحال أي : يجاهدون ، وحالهم في المجاهدة غير حال المنافقين ، فإنهم كانوا موالين لليهود ، فإذا خرجوا في جيش المؤمنين خافوا أولياءهم اليهود وتخاذلوا وخذلوا حتى لا يلحقهم لوم من جهتهم. وأما المؤمنون فكانوا يجاهدون لوجه الله ، لا يخافون لومة لائم. ولومة للمرة الواحدة وهي نكرة في سياق النفي. فتعم أي : لا يخافون شيئا قط من اللوم.
(ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ) الظاهر أنّ ذلك إشارة إلى ما تقدّم من الأوصاف التي تحلى بها المؤمن. ذكر أنّ ذلك هو فضل من الله يؤتيه من أراد ، ليس ذلك بسابقة ممن أعطاه إياه ، بل ذلك على سبيل الإحسان منه تعالى لمن أراد الإحسان إليه. وقيل : ذلك إشارة إلى حب الله لهم وحبهم له. وقيل : إشارة إلى قوله : أذلة على المؤمنين ، وهو لين الجانب ، وترك الترفع على المؤمن. قال الزمخشري : يؤتيه من يشاء ممن يعلم أنّ له لطفا انتهى. وفيه دسيسة الاعتزال. ويؤتيه استئناف ، أو خبر بعد خبر أو حال.
(وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ) أي واسع الإحسان والإفضال عليم بمن يضع ذلك فيه.
(إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ) لما نهاهم عن اتخاذ اليهود والنصارى أولياء ، بيّن هنا من هو وليهم ، وهو الله ورسوله. وفسر الولي هنا بالناصر ، أو المتولي الأمر ، أو المحب. ثلاثة أقوال ، والمعنى : لا وليّ لكم إلا الله. وقال : وليكم بالإفراد ، ولم يقل أولياؤكم وإن كان المخبر به متعددا ، لأن وليا اسم جنس. أو لأنّ الولاية حقيقة هي لله تعالى على سبيل التأصل ، ثم نظم في سلكه من ذكر على سبيل التبع ، ولو جاء جمعا لم يتبين هذا المعنى من الأصالة والتبعية. وقرأ عبد الله : مولاكم الله. وظاهر قوله : والذين آمنوا ، عموم من آمن من مضى منهم ومن بقي قاله الحسن. وسئل الباقر عمن نزلت فيه هذه الآية ، أهو عليّ؟ فقال : عليّ من المؤمنين. وقيل : الذين آمنوا هو عليّ رواه أبو صالح عن ابن عباس ، وبه قال مقاتل ، ويكون من إطلاق الجمع على الواحد مجازا. وقيل ابن سلام وأصحابه. وقيل : عبادة لما تبرأ من حلفائه اليهود. وقيل : أبو بكر رضياللهعنه ، قاله عكرمة.
(وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ) هذه أوصاف ميز بها المؤمن الخالص الإيمان من المنافق ، لأن المنافق لا يدوم على الصلاة ولا على الزكاة.