وأما عند أبي حنيفة فهو معذور في تركها إلى أن يطمئن. وقيل : قوله : فإذا قضيتم الصلاة فاذكروا ، أنه أمر بالصلاة حاله إلا من بعد الخوف قياما للأصحاء ، وقعودا للعاجزين عن القيام ، وعلى جنوبكم العاجزين عن القعود لزمانة أو جراحة أو مرض لا يستطيع القعود معها ، فإذا اطمأننتم أي : أمنتم من الخوف قاله : قتادة ، والسدي. فأقيموا الصلاة أي : صلوها لا كصلاة الخوف ، بل كصلاة الأمن في السفر. وقيل : فإذا اطمأننتم أي : فإذا رجعتم من سفركم إلى الحضر فأقيموها تامة أربعا.
(إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً) (١) أي واجبة في أوقات معلومة قاله : ابن مسعود ، وابن عباس ، ومجاهد ، والسدي ، وقتادة ، وزيد بن أسلم ، وابن قتيبة. ولم يقل موقوتة ، لأن الكتاب مصدر ، فهو مذكر. وروي عن ابن عباس : أن المعنى فرضا مفروضا ، فهما لفظان بمعنى واحد ، والظاهر الأول أي : فرضا منجما في أوقات. وقال أبو عبد الله الرازي : أجمل هنا تلك الأوقات وفسرها في أوقات خمسا ، وتوقيتها بأوقات خمسة في نهاية الحسن نظرا إلى المعقول ، لأن الحوادث لها مراتب خمس : مرتبة الحدوث ، ومرتبة الوقوف ، ومرتبة الكهولة وفيها نقصان خفي ، ومرتبة الشيخوخة ، والخامسة : أن تبقى آثاره بعد موته مدّة ثم تمحى. وهذه المراتب حصلت للشمس بحسب طلوعها وغروبها ، فأوجب الله عند كل مرتبة من أحوالها الخمس صلاة انتهى. ما لخصناه من كلامه وطول هو كثيرا في شيء لا يدل عليه القرآن ، ولا تقتضيه لغة العرب ، ذكر ذلك في تفسيره فمن أراده فليطالعه فيه.
(وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَما تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللهِ ما لا يَرْجُونَ) قيل : نزلت في الجهاد مطلقا. وقيل : في انصراف الصحابة من أحد ، وكان الرسول صلىاللهعليهوسلم أمرهم باتباع أبي سفيان وأصحابه ، أمر أن لا يخرج إلا من كان معه في أحد ، فشكوا بأنّ فيهم جراحات. وهذه الآية تشير إلى أن القضاء في قوله : (فَإِذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ) إنما هو قضاء صلاة الخوف.
وقرأ الحسن : تهنوا بفتح الهاء وهي لغة. فتحت الهاء كما فتحت دال يدع ، لأجل حرف الحلق ، والمعنى : ولا تضعفوا أو تخوروا جبنا في طلب القوم. وقرأ عبيد بن عمير : ولا تهانوا من الإهانة. نهوا عن أن يقع منهم ما يترتب عليه إهانتهم من كونهم يجنون على أعدائهم فيهانون كقولهم : «لا أريناك هاهنا» ، ثم شجعهم على طلب القوم وألزمهم
__________________
(١) سورة النساء : ٤ / ١٠٣.