العالم وهو منتهى ما يؤول إليه أمرهم ذكر مبتدأ وجود العالم واختراعه له بالحق أي بما هو حق لا عبث فيه ولا هو باطل أي لم يخلقهما باطلا ولا عبثا بل صدرا عن حكمة وصواب وليستدل بهما على وجود الصانع إذ هذه المخلوقات العظيمة الظاهر عليها سمات الحدوث لا بد لها من محدث واحد عالم قادر مريد سبحانه جلّ وعلا. وقيل : معنى (بِالْحَقِ) بكلامه في قوله للمخلوقات (كُنْ) وفي قوله : (ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً) (١) والمراد في هذا ونحوه إنما هو إظهار انفعال ما يريد تعالى أن يفعله وإبرازه للوجود بسرعة وتنزيله منزلة ما يؤمر فيمتثل.
(وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُ) جوزوا في (يَوْمَ) أن يكون معمولا لمفعول فعل محذوف وقدروه واذكر الإعادة يوم يقول : كن أي يوم يقول للأجساد كن معادة ويتم الكلام عند قوله : (كُنْ) ، ثم أخبر بأنه يكون قوله الحق الذي كان في الدنيا إخبارا بالإعادة فيكون قوله فاعلا بفيكون أو يتم الكلام عند قوله : (كُنْ فَيَكُونُ) ويكون (قَوْلُهُ الْحَقُ) مبتدأ وخبرا. وقال الزجاج (يَوْمَ يَقُولُ) معطوف على الضمير من قوله (وَاتَّقُوهُ) أي واتقوا عقابه والشدائد ويوم فيكون انتصابه على أنه مفعول به لا ظرف. وقيل : (وَيَوْمَ) معطوف على (السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) والعامل فيه خلق ، وقيل : العامل اذكر أو معطوفا على قوله (بِالْحَقِ) إذ هو في موضع نصب ويكون (يَقُولُ) بمعنى الماضي كأنه قال وهو الذي خلق السموات والأرض بالحق ويوم قال لها كن ويتم الكلام عند قوله (فَيَكُونُ) ، ويكون (قَوْلُهُ الْحَقُ) مبتدأ وخبرا أو يتم عند (كُنْ) ويبتدئ (فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُ) أي يظهر ما يظهر وفاعل يكون (قَوْلُهُ) و (الْحَقُ) صفة و (فَيَكُونُ) تامة وهذه الأعاريب كلها بعيدة ينبو عنها التركيب وأقرب ما قيل ما قاله الزمخشري وهو أن (قَوْلُهُ الْحَقُ) مبتدأ و (الْحَقُ) صفة له و (يَوْمَ يَقُولُ) خبر المبتدأ فيتعلق بمستقر كما تقول يوم الجمعة القتال واليوم بمعنى الحين والمعنى أنه خلق السموات والأرض قائما بالحق والحكمة وحين يقول للشيء من الأشياء كن فيكون ذلك الشيء قوله الحق والحكمة أي لا يكون شيء من السموات والأرض وسائر المكونات إلا عن حكمة وصواب ، وجوز الزمخشري وجها آخر وهو أن يكون (قَوْلُهُ الْحَقُ) فاعلا بقوله (فَيَكُونُ) فانتصاب (يَوْمَ) بمحذوف دل عليه قوله (بِالْحَقِ) كأنه قيل : كن يوم بالحق وهذا إعراب متكلف.
(وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ) قيل (يَوْمَ) بدل من قوله (وَيَوْمَ يَقُولُ) ، وقيل :
__________________
(١) سورة فصلت : ٤١ / ١١.