كما قال : (هُمُ الْعَدُوُّ) (١) ، ومعنى (بِغَيْرِ عِلْمٍ) على جهالة بما يجب لله تعالى أن يذكر به وهو بيان لمعنى الاعتداء.
(كَذلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ) أي مثل تزيين عبادة الأصنام للمشركين (زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ) وظاهر (لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ) لعموم في الأمم وفي العمل فيه فيدخل فيه المؤمنون والكافرون وتزيينه هو ما يخلقه ويخترعه في النفوس من المحبة للخير أو الشر والاتباع لطرقه ، وتزيين الشيطان هو ما يقذفه في النفوس من الوسوسة وخطرات السوء ، وخص الزمخشري (لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ) فقال : من أمم الكفار سوء عملهم أي خليناهم وشأنهم ولم نكفهم حتى حسن عندهم سوء عملهم ، وأمهلنا الشيطان حتى زين لهم أو زيناه في زعمهم وقولهم : إن الله أمرنا بهذا وزينه لنا انتهى ، وهو على طريقته الاعتزالية ، وقال الحسن : أي (زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ) العمل الذي أوجبناه عليهم فجعل (زَيَّنَّا) بمعنى شرعنا و (لِكُلِّ أُمَّةٍ) عام والعمل خاص بما أوجبه الله تعالى ، وأنكر هذا الزجاج وقال : هو بمعنى طبع الله على قلوبهم والدليل عليه : (فَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ) (٢) انتهى. وما فسر به الحسن قد أوضحه بعض المعتزلة فقال : المراد بتزيين العمل تزيين المأمور به لا المنهي عنه ويحمل على الخصوص وإن كان عاما لئلا يؤدّي إلى تناقض النصوص لأنه نص على تزيين الله للإيمان وتكريهه للكفر في قوله : (حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ) (٣) فلو دخل تزيين الكفر في هذه الآية في المراد لوجب التناقض بين الآيتين ولذلك أضاف التزيين إلى الشيطان بقوله : (زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ) (٤) فلا يكون الله مزينا ما زينه الشيطان فنقول : الله يزين ما يأمر به والشيطان يزين ما ينهى عنه حتى يكون ذلك عملا بجميع النصوص انتهى ، وأجيب بأن لا تناقض لاختلاف التزيين تزيين الله بالخلق للشهوات وتزيين الشيطان بالدعاء إلى المعاصي فالآية على عمومها في كل أمّة وفي عملهم.
(ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) أي أمرهم مفوّض إلى الله وهو عالم بأحوالهم مطلع على ضمائرهم ومنقلبهم يوم القيامة إليه فيجازى كل بمقتضى عمله وفي ذلك وعد جميل للمحسن ووعيد للمسيء.
__________________
(١) سورة المنافقون : ٦٣ / ٤.
(٢) سورة فاطر : ٣٥ / ٨.
(٣) سورة الحجرات : ٤٩ / ٧.
(٤) سورة النمل : ٢٧ / ٢٤.