وقال أبو الهذيل : تقليب أفئدتهم بلوغها الحناجر كما قال تعالى : (وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ) (١).
وقيل : تقليب أبصارهم إلى الزرقة وحمل ذلك على أنه في الآخرة ضعيف قلق النظم ، لأن التقليب في الآخرة وتركهم في الطغيان في الدنيا ، فيختلف الظرفان من غير دليل على اختلافهما ، بل الظاهر أن ذلك إخبار مستأنف كما قررناه أولا ، والكاف في (كَما) ذكرنا أنها للتعليل ، وهو واضح فيها وإن كان استعمالها فيه قليلا. وقالت فرقة (كَما) : هي بمعنى المجازاة أي لما (لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ) نجازيهم بأن (نُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ) عن الهدى ونطبع على قلوبهم. فكأنه قال : ونحن نقلب أفئدتهم وأبصارهم جزاء لما (لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ) بما دعوا إليه من الشرع. قاله ابن عطية ، وهو معنى التعليل الذي ذكرناه إلا أنّ تسمية ذلك بمعنى المجازاة غريبة ، لا يعهد في كلام النحويين أنّ الكاف للمجازاة.
وقيل للتشبيه قيل وفي الكلام حذف تقديره فلا يؤمنون به ثاني مرة (كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ).
وقيل : الكاف نعت لمصدر محذوف أي تقليبا لكفرهم ، أي عقوبة مساوية لمعصيتهم ، قاله أبو البقاء.
وقال الحوفي : نعت لمصدر محذوف والتقدير : لا يؤمنون به إيمانا ثانيا (كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ) انتهى. والضمير عائد على الله أو القرآن أو الرسول ، أقوال وأبعد من ذهب إلى أنه يعود على التقليب ، وانتصب أول مرة على أنه ظرف زمان.
وقرأ النخعي ويقلب ويذرهم بالياء فيهما والفاعل ضمير الله.
وقرأ أيضا فيما روى عنه مغيرة وتقلب أفئدتهم وأبصارهم ، بالرفع فيهما على البناء للمفعول ، ويذرهم بالياء وسكون الراء. وافقه على ويذرهم الأعمش والهمداني.
__________________
(١) سورة غافر : ٤٠ / ١٨.