وعلى ردّ مذهبكم ، (فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ) منكم ومن مخالفيكم فإن تعليقكم دينكم بمشيئة الله يقتضي أن تعلقوا دين من يخالفكم أيضا بمشيئته فتوالوهم ولا تعادهم وتوقروهم ولا تخالفوهم ، لأن المشيئة تجمع بين ما أنتم عليه وبين ما هم عليه ؛ انتهى. وهذا تفسير للآية على ما تقرر قبل في الآيات السابقة من مذهب الاعتزال والذي قدّره الزمخشري من شرط محذوف و (فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ) في جوابه بعد والأولى تقديره أنتم لا حجة لكم أي على إشراككم ولا على تحريمكم من قبل أنفسكم غير مستندين إلى وحي ولا على افترائكم على الله إنه حرم ما حرمتم ، (فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ) في الاحتجاج الغالبة كل حجة حيث خلق عقولا يفكر بها وأسماعا يسمع بها وأبصارا يبصر بها وكل هذه مدارك للتوحيد ولاتباع ما جاءت به الرسل عن الله. قال أبو نصر القشيري : (الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ) تبيين للتوحيد وإيذاء الرسل بالمعجزات فألزم أمره كل مكلف ، فأما علمه وإرادته فغيب لا يطلع عليه العبد ويكفي في التكليف أن يكون العبد لو أراد أن يفعل ما أمر به مكنه ، وخلاف المعلوم مقدور فلا يلتحق بما يكون محالا في نفسه ؛ انتهى ، وفي آخر كلامه نظر. قال الكرماني : (فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ) هداية إلجاء واضطرار ؛ انتهى ، وهذه نزعة اعتزالية. وقال أبو نصر بن القشيري : هذا تصريح بأن الكفر واقع بمشيئة الله تعالى. وقال البغوي : هذا يدل أنه لم يشأ إيمان الكافر.
(قُلْ هَلُمَّ شُهَداءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللهَ حَرَّمَ هذا فَإِنْ شَهِدُوا فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ) بين تعالى كذبهم على الله وافتراءهم في تحريم ما حرموا منسوبا إلى الله تعالى فقال : (نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ) وقال : (أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ) ولما انتفى هذان الوجهان انتقل إلى وجه ليس بهذين الوجهين وهو أن يستدعي منهم من يشهد لهم بتحريم الله ما حرموا ، و (هَلُمَ) هنا على لغة الحجاز وهي متعدية ولذلك انتصب المفعول به بعدها أي أحضروا شهداءكم وقربوهم وإضافة الشهداء إليهم تدل على أنهم غيرهم وهذا أمر على سبيل التعجيز ، أي لا يوجد من يشهد بذلك شهادة حق لأنها دعوى كاذبة ولهذا قال : (فَإِنْ شَهِدُوا فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ) أي فإن فرض أنهم يشهدون فلا تشهد معهم أي لا توافقهم لأنهم كذبة في شهادتهم كما أن الشهود لهم كذبة في دعواهم ، وأضاف الشهداء إليهم أي الذين أعددتموهم شهودا لكم بما تشتهي أنفسكم ولذلك وصف ب (الَّذِينَ يَشْهَدُونَ) أي هم مؤمنون بالشهادة لهم وبنصرة دعاواهم الكاذبة ، ولو قيل : (هَلُمَ) شهداء بالتنكير لفات المعنى الذي اقتضته الإضافة والوصف بالموصول إذا كان المعنى هلم أناسا يشهدون بتحريم ذلك فكان الظاهر