أن تكون جميع الأوامر معطوفة على جميع ما دخل عليه لا لأنا بينا جواز عطف (وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) على (تَعالَوْا) وما بعده معطوف عليه ، ولا يكون قوله : (وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) معطوفا على (أَلَّا تُشْرِكُوا) و (أَلَّا تُشْرِكُوا) شامل لمن أشرك بالله الأصنام كقوم إبراهيم ومن أشرك بالله الجن ومن أشرك بنين وبنات. وقال ابن الجوزي : قيل ادعاء شريك لله. وقيل : طاعة غير الله في معصية الله وتقدم تفسير (وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) في سورة البقرة.
(وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ مِنْ) هنا سببية أي من فقر لقوله (خَشْيَةَ إِمْلاقٍ) (١) وقتل الولد حرام إلا بحقه وإنما ذكر هذا السبب لأنه كان العلة في قتل الولد عندهم ، وبين تعالى أنه هو الرازق لهم ولأولادهم وإذا كان هو الرازق فكما لا تقتل نفسك كذلك لا تقتل ولدك. ولما أمر تعالى بالإحسان إلى الوالدين نهى عن الإساءة إلى الأولاد ونبه على أعظم الإساءة للأولاد هو إعدام حياتهم بالقتل خوف الفقر كما قال في الحديث وقد سئل عن أكبر الكبائر فذكر الشرك بالله وهو قوله : «أن تجعل لله ندّا وهو خلقك» ثم قال : «وأن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك» وقال : «وأن تزاني حليلة جارك» وجاء هذا الحديث منتزعا من هذه الآية وجاء التركيب هنا (نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ) ، وفي الإسراء (نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ) (٢) فيمكن أن يكون ذلك من التفنن في الكلام ويمكن أن يقال في هذه الآية جاء (مِنْ إِمْلاقٍ) فظاهره حصول الإملاق للوالد لا توقعه ، وخشيته وإن كان واجدا للمال فبدأ أولا بقوله : (نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ) خطابا للآباء وتبشيرا لهم بزوال الإملاق وإحالة الرزق على الخلاق الرزاق ، ثم عطف عليهم الأولاد. وأما في الإسراء فظاهر التركيب أنهم موسرون وإن قتلهم إياهم إنما هو لتوقع حصول الإملاق والخشية منه فبدئ فيه بقوله : (نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ) إخبارا بتكفله تعالى برزقهم فلستم أنتم رازقيهم وعطف عليهم الآباء وصارت الآيتان مفيدتان معنيين. أحدهما : أن الآباء نهوا عن قتل الأولاد مع وجود إملاقهم. والآخر : أنهم نهوا عن قتلهم وإن كانوا موسرين لتوقع الإملاق وخشيته وحمل الآيتين على ما يفيد معنيين أولى من التأكيد.
(وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ) المنقول فيما (ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ) كالمنقول في (وَذَرُوا ظاهِرَ الْإِثْمِ وَباطِنَهُ) وتقدّم فأغنى عن إعادته.
__________________
(١) سورة الإسراء : ١٧ / ٣١.
(٢) سورة الإسراء : ١٧ / ٣١.