السجستاني : الا وثنا بضم الواو والثناء من غير همزة ، كشقق. وقرأت فرقة : الا اثنا بسكون الثاء ، وأصله وثنا ، فاجتمع في هذا اللفظ ثماني قراءات : إناثا ، وأنثى ، وأنثا ، وأوثانا ، ووثنا ، ووثنا ، واثنا ، وأثنا.
(وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطاناً مَرِيداً لَعَنَهُ اللهُ) المراد به إبليس قاله : الجمهور ، وهو الصواب ، لأن ما قاله بعد ذلك مبين أنه هو. وقيل : الشيطان المعين بكل صنم : أفرد لفظا وهو مجموع في المعنى الواحد يدل على الجنس. قيل ؛ كان يدخل في أجواف الأصنام فيكلم داعيها ، ويحتمل أن يكون لعنه الله صفة ، وأن يكون خبرا عنه. وقيل : هو دعاء ، ولا يتعارض الحصران ، لأن دعاء الأصنام ناشئ عن دعائهم الشيطان ، لما عبدوا الشيطان أغراهم بعبادة الأصنام ، أو لاختلاف الدعاءين ، فالأول عبادة ، والثاني طواعية. وقال ابن عيسى : هو مثل : (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى) (١) يعني : أن نسبة دعائهم الأصنام هو على سبيل المجاز. وأما في الحقيقة فهم يدعون الشيطان.
(وَقالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً) أي نصيبا واجبا اقتطعته لنفسي من قولهم : فرض له في العطاء ، وفرض الجند رزقهم. والمعنى : لأستخلصنهم لغوايتي ، ولأخصنهم بإضلالي ، وهم الكفرة والعصاة. قال ابن عطية : المفروض هنا معناه المنحاز ، وهو مأخوذ من الفرض ، وهو الحز في العود وغيره ، ويحتمل أن يريد واجبا أن اتخذه ، وبعث النار هو نصيب إبليس. قال الحسن : من كل ألف تسعمائة وتسعون قالوا : ولفظ نصيب يتناول القليل فقط. والنص إنّ أتباع إبليس هم الكثير بدليل : (لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلاً) (٢) (فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) (٣) وهذا متعارض.
وأجيب أن التفاوت إنما يحصل في نوع البشر ، أما إذا ضممت أنواع الملائكة مع كثرتهم إلى المؤمنين كانت الكثرة للمؤمنين. وأيضا فالمؤمنون وإن كانوا قليلين في العدد ، نصيبهم عظيم عند الله تعالى. والكفار والفساق وإن كانوا كثيرين فهم كالعدم. انتهى تلخيص ما أحب به. والذي أقول : إنّ لفظ نصيب لا يدل على القليل والكثير ، بدليل قوله : (لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ) (٤) الآية. والواو : قيل عاطفة ، وقيل واو الحال.
__________________
(١) سورة الأنفال : ٨ / ١٧.
(٢) سورة الإسراء : ١٧ / ٦٢.
(٣) سورة سبأ : ٣٤ / ٢٠.
(٤) سورة النساء : ٤ / ٧.