أيضا ، فالله يساعد من يقع بين أيديهم ، فحمدت الله لأنه أعماهم عنا. ولم نزل جالسين إلى المساء ، ثم أكلنا ومشينا إلى الفجر. ثم كمنا في ردم رمل فقال لي مصطفى : بقي بيننا وبين الفرات نحو ثلاث ساعات فقط. فقلت له : بشّرك الله بالخير ، والليلة لا نمشي إلا بعد نصف ٢ / ٣٤ الليل حتى نكون صباحا على حافة نهر الفرات ، مقابل زيتا (١) لأن / داخل (٢) الفرات يعدّ من العراق ، ومن هناك نجد لنا أناسا يجتازون بنا الفرات ، إذ يوجد دائما عرب يسكنون على الشاطئ ويأخذون أجرة من الناس لقطع الفرات. ولما كان نصف الليل مشينا ، وقبل طلوع الفجر وصلنا إلى الفرات الذي ينشرح الفؤاد والقلب من حسن رؤيته ، وأصبحت زيتا أمامنا على الضفة الثانية من الفرات. فجلسنا إلى أن بزغت الشمس وأكلنا جميع الزاد الذي بقي معنا ، لأننا كنا نأكل قليلا خوفا من أن يطول بنا الطريق بسبب بعض الموانع. وبعد طلوع الشمس ، بان لنا بعض بيوت العرب على شاطئ الفرات ، وعرفهم مصطفى لأنهم أصحاب ومساكين (٣) من سكان شاطئ الفرات. فمشينا إلى عندهم فاستقبلونا وترحبوا بنا ، وحالا أحضروا لنا أكلا وشربا. وبعد ذلك سألهم مصطفى عن الدريعي في أي مكان هو الآن؟ فقالوا كان سابقا أي من مدة عشرة أيام نازلا على زيتا ثم رحل ، والآن على ما نعلم ، قد نزل في أرض يقال لها المحولة ، تبعد ثلاثة أيام ما بين زيتا والزور ، لأن الدريعي تصالح مع ربع فحل الخليل وصار على وداد مع عرب بني سعيد من بعد الخصومة (٤) ، وقد أطاع فحل وعربه للدريعي ، وصاروا يعطوه الخوة كل سنة أي مبلغا من الحبوب والملبوس والدراهم ، لأن الدريعي لا يستطيع أحد أن يعاديه ، فهو رجل مرّ في الحرب ومدبر وجيوشه كثيرة. والآن أكثر العربان تميل إليه نكاية ببيت ملحم ، وعلى الأخص بناصر المهنا ، وعلى ما نظن أنه لا يقطع الشامية ، أي غربي الفرات لأنه غير معتاد على هذه البلاد (٥) ، ولكنه قد يضرب قبيلة مهنا ثم يرجع إلى ديرته ، أي بغداد والبصرة وتلك النواحي. ففرحت من هذا الخبر لأنه يدخل في مطاليب الشيخ إبراهيم ، وقد تقدم الشرح أن مراده أن يتعرف بالأمير الدريعي وأبعاده عن العثماني وحكام بر الشام.
__________________
(١) ويكتب الصايغ أيضا : زيته.
(٢) ابتداء الكراس الخامس على حسب تقسيم الصايغ ، إذ وضع في أعلى الصفحة : نمرة ٥.
(٣) كذا والمعنى غير واضح ، فهل يريد فقراء الحال أو الأشخاص الذين يسكنون في تلك الناحية؟.
(٤) «الضشمنة».
(٥) أصل قبائل عنزة من نجد ، وأول من دخل الشامية منها الفدعان والحسنة. أما الرّولة فيظهر أن هجرتهم إلى بر الشام كانت في بداية القرن التاسع عشر.