والوهم. وما كنا نندم على ما مضى إذ ما كان ينفع الندم ، بل صارت أفكارنا إلى الوسيلة التي تمكننا من الخلاص من يد هذا الظالم. فثالث يوم ، أرسل الدريعي واستدعى رجلا يقال له أبو السلام ، من أحد مدبري الوهابي. فحضر المذكور ، وهو رجل طاعن بالسن حسن الأخلاق ، فترجاه الدريعي أن يذهب من طرفه عند ابن سعود ويقول له هكذا : «يقول لك الدريعي : الذي في خاطرك افعله عاجلا ، ولا لوم عليك إذ ما لك ذنب ، فهو باختياره رمى ٢ / ١٠٧ بروحه بيدك». فتوجه أبو السلام / وتكلم بذلك. فما ردّ جوابا بل أرسل خمسة وعشرين عبدا مسلحين يرصدوننا على باب المنزل لئلا نهرب. فصرنا تحت الحوطة (١). فاشتد علينا الوسواس إذ كنا دائما منتظرين الموت. فأخذت ألوم نفسي على حضوري ، ورميي حالي في مثل هذه المهالك الملعونة التي لا لزوم ولا حاجة لها ، فقط لأجل البحث وكثرة الغلبة. فأقمنا يومين تحت الحوطة والأفكار المتنوعة ، فكثر الغم على الدريعي وضاقت أخلاقه وكاد يقتل نفسه من شدة قهره ، إذ هذا شيء ما قط ذاقه ولا جرى عليه ، من بعد حريته وإمارته وكبره (٢) يصبح تحت الحوطة محبوسا مهددا بالموت ، فيئس من روحه وقال : إنه من المستحسن عندي أن يكون تدبير هذه المادة مع ابن سعود بالكلام القاسي الصارم ، وخرق الحجاب معه وكسر الجرة ، ومن المؤكد عندي أن بالمعروف [لا تصلح أمورنا] ويتأتى عنه قتلنا (٣). فبسبب ذلك ، الكلام اللين والرجاء لا تنجينا ، وإن هي إلا موتة في سبيل الله ، لكم بسعري ، فإن متنا نمت كلنا ، وإن خلصنا نخلص كلنا. فقلت له : يا أبو سحن ، جميع ما قلته صحيح ، ورأيك فيه الصواب ، ولكن يا عزيزي على ظني أنه يمكن أن تخلصوا أنتم ولكن أنا غير ممكن أن أخلص من يده ، أولا لأن قلبه محروق مني بسبب ما سمع عني ، ثانيا إني نصراني عدوه الأكبر فكيف يمكن خلاصي؟ فقال : يا عبد الله وحق باسط الأرض ورافع السماء إن قتلنا لا أدع أحدا يقتلك إلا بعد أن يقتلني أنا وكل من معي ، وإن خلصنا لا يكون أحد أمامنا حين خروجنا من هذه البلد إلا أنت ، وثق بكلامي والله شاهد على ما أقول. فقلت : «لا حول ولا قوة إلا بالله ، بالرغم عني أقول افعل يا أمير ما تراه مناسبا ١ / ١٠٨ لخلاصنا». /
وبالحال أرسل واحدا من العبيد الذين يحرسوننا ليحضر أبو السلام. فأتى المذكور.
__________________
(١) «اليسق» ، كلمة تركية ، أي الحفظ والمنع والحراسة.
(٢) «كبرته».
(٣) عبارة الصائغ : «لأن عندي ماكد [ـ مؤكد] بالمعروف لا تمضي معه إلا بقتلنا».