توجهت عنده وقلت له : ما ذا دبّرت يا عزيزي؟ قال : الله يدبّر كل أمر عسير ، اعلم يا أخي أنه لا يوجد عندي إلا تدبير واحد ، وإن شاء الله يكون خيرا ، وهو أني أعرف رجلا خبيرا قديرا من المسلمين ، وهو طوع إشارتي ، عارفا بالطرق ، فهيما بلغة العرب ، مجربا بالقتال ، شجاعا ، فرأيت أنه من المستحسن أن أكلمه ليأخذك إلى عند الدريعي ، فتذهبان سوية على الأقدام ، يسري بك ليلا ويكمن بالنهار ، فراح ودعاه إلى بيته ، وتوجهنا معه وتكلمنا بهذا الموضوع. فقال : قوي مناسب ، ولكن هل بوسعك المشي؟ لأن الدريعي في زيتا (١) ، ومن هنا إلى منازله نحو عشرة أيام ، كيف تستطيع أن تمشي على مشيتي مدة عشرة أيام؟ إنك ستموت في الدرب قبل وصولك ، وأخيرا سأطالب بك؟ فقلت له : لا تخف ، لا يطالبك أحد بدمي ، ولست ملزوما بي ، وإني قادر على المشي ، فما هي الأجرة التي تطلبها حتى أعطيكها. قال : خمس مئة غرش. ومن بعد جدال تم الاتفاق على مئتي غرش وعباءة ، وتدفع إليه هذه الأجرة متى سلم مكتوبا مني إلى موسى بأني وصلت عند الدريعي بالسلامة. وتم القول وأعطينا كلاما إلى بعضنا. ثم قلت إلى موسى : يا أخي أخشى أن يكون هذا الرجل مثل حسيسون الكعب الذي كان يريد أن يرينا خابية الذهب. قال : لا ، فهذا رجل معروف ، وثانيا يجب ألا يكون معك شيء يطمع به ، فيجب أن تكون حوائجك زرية جدا ، وكل ما معك لا تبلغ قيمته عشرة غروش. وبهذه الطريقة لا يطمع بك أحد لا هو ولا غيره.
فعدت إلى البيت وأعلمت الشيخ إبراهيم بما فعلته. فخاف علي جدا من ذلك وقال : يا ولدي ، ما أظن أن هذا الرأي مناسب ، إذ يخشى عليك من الموت إما من التعب ، إما من الوحوش ، إما من أحد من العرب يقتلك. فقلت : إن الإنسان الذي معي شجاع قوي لا يبالي بعشرين رجل ولا يخاف من سطوة الأسد ، مشهور بالرجولية ، وثانيا إن العرب لا تقتل من لا يكون لهم عدوا ، بل تكتفي بالسلب ، وحوائجي زرية جدا. ولهذا السبب لا أخاف من شيء بعون الله ، وإن شاء الله إني أتم مطلوبك وأصل عند الدريعي سالما وأرسل ٢ / ٣٢ إليك مكتوبا وقت وصولي / عنده سالما. فابتدأ يدعو لي ويبكي ويقول هذه الكلمات : الله يعطيك يد المعونة ، الله يرافقك ، وسلطان الخيرات يحرسك ، ويعمي عنك عيون الظالمين ، ويسهل طريقك ويردك إلى سالما ، ويتم مقصودي بوجودك ، ولا يحرمني من حياتك ، ولا يريني الردي فيك. ثم قيدنا بالدفتر كل ما يجب تقييده ، ورتبنا كل أمورنا حيث لا بدّ من فراقنا ،
__________________
(١) منزل على الفرات ، لم يعد له وجود ، على ما أخبرني الأستاذ العزيزي.