تذهب معي إلى باريس (١) بهذه الهيئة تستطيع أن تكسب مليون غرش من الناس ، لكي يروك بهذا الزي.
ثم جلسنا وتناولنا طعام العشاء ، وودعنا بعضنا وشيعني إلى خارج القرية هو وموسى الوردي ، ثم رجعا. ونحن توكلنا على الله ومشينا قبل غياب الشمس من القريتين ولم نزل نجد بالسير إلى نحو نصف الليل. فابتدأت أرجلي تؤلمني من الحذاء القديم لا سيما وأني كنت بغير جوارب ، فتسلّخت أقدامي منه وتنفّطت (٢). فقلت لرفيقي مصطفى أني سأخلع الحذاء من قدمي وأمشي حافيا. فقال : يا أخي هذا ليل وشوك وصوان ، وإنك ستعطل رجليك إن خلعت الحذاء. فصرت أجر نفسي جرا ، وتارة أخلع الحذاء وأحمله وأمشي قليلا فتمتلئ أقدامي شوكا ، وتارة ألبسه فيشتد ألم أقدامي فأخلعه من جديد. ولم أزل بهذا العذاب الشديد إلى أن طلع الفجر. فأدخلني مصطفى إلى مغارة صغيرة ، في كهف جبل ، لنقيم فيها ذلك النهار ونعود إلى المشي مساء. فدخلت المغارة ورميت نفسي على الأرض من شدة تعبي وألمي الشديد ، وصرت أقطع من قنبازي وأمسح الأدمية من رجليّ وأربطها وأخرج المياه منها ، لأنها صارت مثل العنب ، وحالا من غير أكل ولا شرب نمت مثل الميت إلى المساء ، ورأيت منامات ٢ / ٣٢ شنيعة جدا من شدة تعبي وهمومي واحتراق دمي / فما شعرت إلا ومصطفى يوقظني ويقول : قم يا أخي قد غابت الشمس ، فاجلس وكل لقمة وصحي رأسك ، لأننا سنتوكل على الله ونمشي. فارتاع (٣) قلبي من هذا الكلام ونظرت إلى رجلي فرأيتها ورمت وزاد وجعها ، فقلت له : يا حبيبي مصطفى دعنا نقضي هذا اليوم في هذه المغارة ، لعل تشفى أقدامي وأستطيع المشي فقال : ألم أقل لك أنك لا تستطيع المشي وأنك تموت تعبا. وإني كنت عارفا بما سيحدث لعلمي أولا أنك رقيق الجسم وثانيا أنك لم تعتد على المشي كراجل. فنصحتك فلم تقبل نصيحتي. والآن إذا قضينا هذه الليلة هنا علينا أن نبقى أيضا كل النهار إذ لا نستطيع السير في النهار فيطول بنا السفر ويخلص زادنا ونهفى من الجوع. والرأي عندي إما نرجع إلى القريتين ، أو نتوكل على الله ونمشي رويدا رويدا إلى نحو نصف الليل ، ونكمن في مكان. فسلمنا إرادتنا لله تعالى ومشينا ، وأنا من غير شيء برجليّ ، غير أني لففتهما بالشراطيط إلى أن ناصف الليل. ولم يبق لي طاقة. فقعدنا في سهل رمل وبه «قلابات صغار
__________________
(١) «باريز».
(٢) «بقبقت».
(٣) تسكّر.