لم يمكن تأمين حرية الفكر ، والرأي ، والعقيدة إلا بذلك ، وليوجد من ثم الجو والمناخ المناسب لتطبيق الجانب التشريعي للإسلام.
وحتى لا يتحول الإسلام إلى إسلام حكام يخضع لرغباتهم ، ويتطور حسب مصالحهم ، وأهوائهم ـ كما كان الحال بالنسبة لبعض الفرق والمذاهب التي ابتليت بهذا الداء الوبيل ـ وأيضا حتى لا يتحول جانب عظيم ورئيس في هذا التشريع ، ليكون مجرد فكر ميت ، يوضع في المتاحف ، ويكون الجانب الحي هو خصوص الجانب الفردي ، الذي لا يتصل بالحياة الاجتماعية ، ولا يتفاعل معها ، لا من قريب ولا من بعيد.
وإذا توفرت حرية الفكر والرأي والعقيدة ، فإن ذلك سوف يشجع الآخرين على الدخول في هذا الدين ، آمنين من العذاب والأذى ، ومن مختلف أنواع الضغوط ، ومن الفتنة التي هي أكبر من القتل بنظر الإسلام.
فالمسلمون إذا قاتلوا ، فإنما يقاتلون انطلاقا من حقهم الذي جعله الله لهم ، ومن أجل ذلك الحق في سبيله ، وطلبا له ، على حد تعبير الرسول الأكرم «صلى الله عليه وآله» كما سيأتي إن شاء الله تعالى وكما قرره الله تعالى حيث يقول :
(أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ ، الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللهُ ..)(١).
فالأذان بالقتال للمسلمين إنما هو في صورة كون غيرهم قد بدأهم به ، بالإضافة إلى كونهم قد أخرجوا من ديارهم.
ج ـ وبعد كل ما تقدم ، فقد كان النبي «صلى الله عليه وآله» والمسلمون
__________________
(١) الآيتان ٣٩ و ٤٠ من سورة الحج.