حتى لقد قال ابن مسعود عن موقف المقداد هذا : لأن أكون صاحبه أحب إلي مما عدل به (١).
وعن أبي أيوب ، قال ـ في ضمن حديث له ـ : «فتمنينا معشر الأنصار لو أنا قلنا مثل ما قال المقداد أحب إلينا من مال عظيم» فأنزل الله عز وجل على رسوله : (كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ)(٢).
أضف إلى ذلك كله : أن كلام رسول الله «صلى الله عليه وآله» كان عاما للجميع : للأنصار والمهاجرين على حد سواء ، كما أن المهاجرين كانوا كالأنصار من حيث إنهم لم يبايعوه على الحرب.
٥ ـ سر سروره صلّى الله عليه وآله بكلام سعد والمقداد :
وإن التأمل في كلام سعد بن معاذ والمقداد يفيد : أنهما لم يشيرا عليه لا بالحرب ، ولا بالسلام ؛ بل ما زادا على أن أظهرا التسليم والانقياد لأوامر النبي «صلى الله عليه وآله» ونواهيه ، وما يقضيه في الأمور. إنهما لم يبديا رأيا ، ولا قدما بين يديه أمرا. وهذا هو منتهى الإيمان ، وغاية الإخلاص والتسليم ، وقمة الوعي لموقعهما ، ووظائفهما ، وما ينبغي لهما.
فهما ما كانا يريان لنفسيهما قيمة في مقابل قضاء الله ورسوله على حد قوله تعالى : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ
__________________
(١) صحيح البخاري باب تستغيثون ربكم ج ٣ ص ٣ ط الميمنية ، والبداية والنهاية ج ٣ ص ٢٦٢ و ٢٦٣ وسنن النسائي.
(٢) البداية والنهاية ج ٣ ص ٢٦٣ و ٢٦٤ عن أبي حاتم وابن مردويه.