فأضربوا عنها صفحا بالطريقة المشار إليها آنفا.
ولكن من الواضح : أن سرور النبي «صلى الله عليه وآله» بكلام المقداد ، ودعاءه له يدل على أن كليهما (أعني أبابكر وعمر) لم يكن منسجما مع ما كان يهدف إليه النبي «صلى الله عليه وآله» من مشاورته لهم ، بل كان مضادا لما كان يرمي إليه «صلى الله عليه وآله» ، ولو كان كلامهما لائقا لذكره محبوهم من المؤرخين والرواة وما أكثرهم.
وأما مشورة المقداد ، فكانت هي السليمة والمنسجمة مع المنطق ، ومع الأهداف السامية التي كان يرمي إليها الرسول الأعظم «صلى الله عليه وآله». وذلك هو ما كان يتوقعه «صلى الله عليه وآله» ويرمي إلى الوصول إليه ، والحصول عليه. ولذلك فقد استحق المقداد مدح النبي «صلى الله عليه وآله» ودعاءه له.
بل لقد ورد : أنه حين بلغ النبي «صلى الله عليه وآله» إقبال أبي سفيان شاور أصحابه ، فتكلم أبوبكر ، فأعرض عنه ، ثم تكلم عمر فأعرض عنه (١).
فإعراضه «صلى الله عليه وآله» عنهما ليس إلا لتخذيلهما عن النفير إلى حرب قريش ، ومدحهم لها بأنها : ما ذلت منذ عزت ، وما آمنت منذ كفرت الخ .. لا لأنه كان يريد من الأنصار أن يجيبوا وحسب. وإلا فلماذا سر من كلام المقداد ، ودعا له ، وهو من المهاجرين؟!
__________________
(١) صحيح مسلم باب غزوة بدر ج ٥ ص ١٧٠ ، ومسند أحمد ج ٣ ص ٢١٩ بطريقين ، وعن الجمع بين الصحيحين ، والبداية والنهاية ج ٣ ص ٢٦٣ ، والسيرة النبوية لابن كثير ج ٢ ص ٣٩٤.