وهكذا نجد رسول الله «صلى الله عليه وآله» يستفيد حتى من حالة المزاح التي يريد أن يثيرها عمار ، في متابعة شؤون الدعوة ، وفي تحصين المسلمين من الانخداع بأولئك الذين يظهرون الدين والتدين ، وهم إنما يعملون من أجل تحقيق أهدافهم ، وفي سبيل مصالحهم ، فعلى الناس في المستقبل أن يلتفتوا لهذه الحقيقة ، كما أن هذه الإشارة منه «صلى الله عليه وآله» إلى قتلة عمار الذي سيقتله ابن عم عثمان (معاوية) بحجة الطلب بدم عثمان نفسه الذي له هذا الموقف الخشن من عمار ، لا يخلو من طرافة ، وهو أمر يدعو إلى التأمل والتدبر حقا.
ألم يكن عثمان في الحبشة؟!
ونعود إلى سياق الحديث فنقول : ولكن أليس قد قدمنا : أن عثمان لم يكن حاضرا حين بناء المسجد ، وإنما كان في الحبشة؟!
ولعله لأجل هذا استبدل العسقلاني ، والحلبي عثمان بن عفان بعثمان بن مظعون (١).
وقبل أن نجيب عن ذلك : نشير إلى ما تقدم من أنه لا مورد لهذا الكلام لو قلنا : إنه «صلى الله عليه وآله» قد بقي عند أبي أيوب سنة أو سبعة أشهر ، لأنه كان مشغولا ببناء المسجد وبيوته ، إذ من الممكن أن يصل الخبر إلى
__________________
ج ٩ ص ٢١ و ٢٢ و ٢٧ عن مصادر كثيرة جدا ، لكنه أخذ منه بعض فقراته ، فلا بد من مراجعة تلك المصادر الكثيرة لمن أراد المزيد من التحقيق.
(١) السيرة الحلبية ج ٢ ص ٧١ ، وهامش السيرة النبوية لابن هشام ج ٢ ص ١٤٢ عن المواهب اللدنية.