ولبس السواد (١) ، ودعا (٢) للمطيع لله يوم الخميس ليومين خلوا (٣) من ذي الحجة سنة تسع وخمسين وثلاثمائة ، وكان أول ما دعي لهم بها في المحرم أول هذه السنة. واستفحل أمر أبي القاسم الهاشمي ونفى عن دمشق إقبالا (٤) أمير دمشق المستخلف من قبل شمول الكافوري (٥) الذي صار في جملة أصحاب جعفر بن فلاح القائد ، فلما كان يوم السبت الحادي عشر من ذي الحجّة من هذه السنة جاء عسكر المصريين فقاتلوا أهل دمشق ، وقتل منهم جماعة ثم خرج أبو القاسم في ليلة الأحد من دمشق ثم تم الصلح بين أهل دمشق وعسكر المصريين يوم الخميس لست عشرة خلت من ذي الحجّة من هذه السنة.
وهرب أبو القاسم إلى الغوطة ثم طلب البرية يريد بغداد فسار حتى صار نحو تدمر (٦) لحقه ابن عليان العدوي فأخذه ورده جعفر بن فلاح فشهره في عسكره على جمل ونودي عليه في المحرم سنة ستين وثلاثمائة وسيّر إلى مصر في هذا الشهر (٧).
قرأت بخط عبد الوهّاب بن جعفر الميداني قال : وفي هذه الأيام وافى ابن فلاح قوم من البادية من بني عدي فخبروه أنّهم قبضوا على ابن أبي يعلى ، وأسروه وهو عندهم. فقيل إنه أعطى الاثنين اللذين بشّراه بهذه البشارة فرسين وأربعة آلاف درهم ، وكان قد ضمن لبني عدي أو لمن جاء به مائة ألف درهم ، فلما كان يوم الأربعاء لتسع وعشرين ليلة خلت من ذي الحجة ولليلتين خلتا من تشرين الثاني وافى قوم من وجوه بني عدي به أسيرا إلى ابن فلاح فلما أدخلوه عليه أغلظ له في الخطاب وقال لهم : طوفوا به في العسكر ، فطافوا به في العسكر على جمل وعلى رأسه قلنسوة لبود وفي لحيته ريش مغروز ، وبيده قصبة بيطار ، وقيل : إنه قفز من ورائه على الجمل رجل من المغاربة فصفعه صفعتين أو ثلاثا ، فأنكر ذلك عليه رجل
__________________
(١) السواد هو شعار العباسيين.
(٢) في تحفة ذوي الألباب : دعي للمطيع ، ورسمها في مختصر أبي شامة : دعى.
(٣) في مختصر أبي شامة : خلون ، والمثبت عن أمراء دمشق.
(٤) إقبال غلام شمول الكافوري ، ترجمته في أمراء دمشق ص ٣٠.
(٥) هو شمول بن عبد الله أبو الحسن الكافوري ، مولى كافور الإخشيدي ، انظر ترجمته في تحفة ذوي الألباب ١ / ٣٦٩ والوافي بالوفيات ١٦ / ١٨٦.
(٦) تدمر مدينة قديمة مشهورة في برية الشام ، (معجم البلدان) وهي تتبع إداريا اليوم محافظة حمص. وتبعد عنها شرقا ١٦٥ كلم.
(٧) جاء في النجوم الزاهرة ٤ / ٣٣ أن جعفر بن فلاح عرض مائة ألف درهم لمن يأتي بابن أبي يعلى ، وعند ما قبض عليه رق له ووعده أنه يكاتب فيه جوهرا القائد ، قال : وكان جعفر بن فلاح يحب العلويين ، فأحسن إليه وأكرمه.