ما قلت له؟ قال : كفرت بالذي دنا فتدلى. قال : فما قال لك؟ قال : قال : «اللهمّ سلّط عليه كلبا من كلابك». قال : يا بني ، والله ما آمن عليك دعاءه (١). فسرنا حتى نزلنا الشّراة وهي مأسدة ، فنزلنا إلى صومعة راهب ، فقال الرّاهب : يا معشر العرب ، ما أنزلكم هذه البلاد؟ فإنما يسرح الأسد فيها كما يسرح الغنم (٢) فقال لنا أبو لهب : إنكم قد عرفتم كبر سنّي وحقي. فقلنا : أجل يا أبا لهب. فقال : إنّ هذا الرجل قد دعا على ابني دعوة والله ما آمنها عليه ، فاجمعوا متاعكم إلى هذه الصومعة ، وافرشوا لابني عليها ، ثم افرشوا حولها. ففعلنا ، فجمعنا المتاع ثم فرشنا له عليه ، وفرشنا حوله ، فبتنا نحن حوله ، وأبو لهب معنا أسفل ، وبات هو فوق المتاع ، فجاء الأسد فشمّ وجوهنا فلما لم يجد ما يريد تقبّض فوثب وثبة فإذا هو فوق المتاع ، ثم هزمه (٣) هزمة ففسخ (٤) رأسه. فقال أبو لهب : قد عرفت أنه لا ينفلت من دعوة محمّد (٥).
وكنّاه عبد المطّلب أبا لهب من حسنه ، لأنه كان يتلهّب من حسنه. وله يقول أبو طالب يحرّضه على نصر النبي صلىاللهعليهوسلم ومنعه ، ويعاتبه على خذلانه (٦) :
إن (٧) امرأ أبو عتيبة عمّه |
|
لفي معزل (٨) من أن يسام المظالما |
أقول له وأين منه نصيحتي |
|
أبا معتب ثبّت سوادك (٩) قائما |
فكناه بأبي عتيبة ، وأبي معتّب.
قال الأصمعي أخبرني ابن أبي الزناد ، عن أبيه قال : اصطرع أبو طالب وأبو لهب ، فصرع أبو لهب أبا طالب ، وجلس على صدره ، فمدّ النبي صلىاللهعليهوسلم بذؤابة أبي لهب ، والنبي صلىاللهعليهوسلم يومئذ غلام. فقال له أبو لهب : أنا عمّك ، وهو عمك ، فلم أعنته عليّ؟! فقال : لأنه أحب
__________________
(١) في دلائل أبي نعيم : دعوة محمد.
(٢) في دلائل أبي نعيم : ما أنزلكم هذه البلاد وأنها مسرح الضيغم.
(٣) هزمه : ضربه.
(٤) في دلائل أبي نعيم : ففضخ رأسه.
(٥) الخبر السابق استدرك عن مختصر ابن منظور.
(٦) البيتان من عدة أبيات ـ سترد قريبا ـ في سيرة ابن إسحاق رقم ٦٩ ص ١٤٥ وسيرة ابن هشام ٢ / ١١.
(٧) في المصدرين : وإن.
(٨) في المصدرين : روضة.
(٩) السواد هنا يريد به الشخص.