الناس [أكرموا الناس](١) إن خياركم أصحابي ، ثم الذين يلونهم ألا ثم الذين يلونهم ، ألا ثم يظهر الكذب ويكثر الحلف حتى يحلف الرجل وإن لم يستحلف ، ويشهد وإن لم يستشهد ، ألا فمن أراد بحبوحة الجنة فعليه بالجماعة ، يد ربّكم على الجماعة ، ألا وإن الشيطان ذئب بني آدم ، فهو مع الواحد وهو من الاثنين أبعد ، ألا لا يخلونّ رجل بامرأة لا تحلّ له إلّا كان الشيطان ثالثهما ، ألا ومن ساءته سيئاته وسرته حسناته فهو مؤمن» قمت فيكم بقدر ما قام به النبي صلىاللهعليهوسلم فينا.
ثم ارتحل حتى نزل أذرعات (٢) وقد ولّى على الشام يزيد بن أبي سفيان ، فدعا بغدائه ، فلما فرغ من الثريد ، وضعت بين يديه قصعة أخرى ، فصاح وقال : ما هذا؟ فأرسل يزيد إلى معاوية وكان صاحب أمره ، فقال معاوية : ما الذي أنكرت يا أمير المؤمنين؟ قال : ما بالي توضع بين يدي قصعة ثم ترفع وتوضع أخرى؟ قال : يا أمير المؤمنين إنك هبطت أرضا كثيرة الأطعمة فخفت عليك وخامتها ، فأشر إلى أيّها شئت حتى ألزمكه ، فأشار إلى الثريد ، فقال قسطنطين لمعاوية : جاد ما خرجت منها.
فلما فرغ من غدائه قام قسطنطين ـ وهو صاحب بصرى ـ بين يديه فقال : يا أمير المؤمنين إن أبا عبيدة قد فرض عليّ الخراج ، فاكتب لي به ، فأنكر عمر ذلك ، وقال : وما فرض عليك؟ قال : فرض عليّ أربعة دراهم وعباءة على كل جلجلة ـ يعني الجماجم ـ فقال عمر لأبي عبيدة : ما يقول هذا؟ قال : كذب ، ولكني كنت صالحته على ما ذكر ليستمتع به المسلمون في شتائهم هذا ، ثم تقدم أنت فتكون الذي يفرض عليهم الخراج ، فقال له عمر : أبو عبيدة أصدق عندنا منك ، فقال قسطنطين : صدق أبو عبيدة ، وكذبت أنا ، قال : فويحك ما أردت بمقالتك؟ قال : أردت أن أخدعك ، ولكن افرض عليّ يا أمير المؤمنين ، أنت علينا (٣) الآن قال : فجاثاه الفتى (٤) مجاثاة الخصم عامّة النهار ، ففرض على الغني ثمانية وأربعين [درهما](٥) ، وعلى الوسط أربعة وعشرين ، وعلى المفلس المدقع اثني عشر ، وشرط عليهم عمر أن يشاطرهم منازلهم وينزل فيها المسلمون ، وعلى أن لا يضربوا بناقوس ، ولا يرفعوا
__________________
(١) الزيادة عن الجليس الصالح.
(٢) أذرعات : بلد في أطراف الشام يجاور أرض البلقاء وعمان (معجم البلدان).
(٣) تقرأ بالأصل : «عفا» والمثبت عن مختصر ابن منظور ، وسقطت الكلمة من الجليس الصالح.
(٤) في الجليس الصالح : النبطي.
(٥) زيادة عن الجليس الصالح للإيضاح.