جاء أبو علقمة الأعرابي إلى الحجّام فقال له : تحجمني؟ قال : نعم ، قال : اشدد قضم المحاجم ، وازنج ولا تربج (١) ، اجعل طعنك وخزا ، ومصك حفزا ، لا تكرهن أبيا ولا تردن آتيا. فقال الحجام : قد أتى عليّ خمسون سنة لم أقاتل في الهرب ، يعني الحرب.
قرأت بخط أبي الحسن رشأ بن نظيف ، وأنبأنيه أبو القاسم العلوي ، وأبو الوحش المقرئ عنه ، نا أبو أحمد عبيد الله بن محمّد الفرضي ، نا أبو طاهر عبد الواحد بن عمر بن أبي هاشم المقرئ ، إملاء ، نا إسماعيل بن يونس ، نا أحمد بن الحارث الخرّاز (٢) ، عن المدائني قال :
أتى أبو علقمة الأعرابي أبا زلازل الحذاء فقال : يا حذّاء احذ لي هذه النعل قال : وكيف تريد أن أحذوها لك؟ قال : خصّر نطاقها ، وغضّف معقبها ، وأقب مقدّمها ، وعرّج ونية الذؤابة بخزم دون بلوغ الرّصاف (٣) ، وأنحل مخازم خزامها ، وأوشك في العمل ، فقام أبو زلازل ، فتأبط متاعه. فقال أبو علقمة : إلى أين؟ قال : إلى ابن القرّيّة (٤) ليفسر لي ما خفي عليّ من كلامك.
قرأت على أبي محمّد عبد الله بن أسد ابن عمار ، عن عبد العزيز بن أحمد ، أنا عبد الوهاب الميداني ، حدّثني أبو الخير أحمد بن علي ، حدّثني أبو أحمد بن أبي خليفة الجمحي قال : سمعت أبي يحدث عن أبيه قال : قال أبو علقمة النحوي لغلام له : خذ من طرحنا هذا كفيلا ، ومن الكفيل أمينا. ومن الأمين زعيما ، ومن الزعيم غريما. فقال الغلام للغريم : مولاي كثير الكلام ، فمعك شيء فأرضاه وخلاه ، فلما انصرف قال : يا غلام ، ما فعل غريمنا (٥) قال : سقع ، قال : وما سقع؟ فقال : بقع. فقال : ويلك وما بقع؟ قال : استقلع. قال : ويلك وما استقلع؟ قال : انقلع ، قال : ويلك لم طولت؟ فقال : منك تعلمت. فقال له : ويلك فلم خليته؟ فقال : يا مولاي أرضاني فأرضيته ، فضحك منه وسكت عنه.
__________________
(١) أزنج ولا تربج يعني ادفع ولا تتحير.
(٢) بدون إعجام بالأصل.
(٣) بالأصل : الوصاف ، تصحيف. والرصاف ما يلوى على النعل ويشد به.
(٤) ابن القرية اسمه أيوب بن زيد ، أبو سليمان الأعرابي من خطباء العرب.
(٥) قد تقرأ بالأصل : «غريمك» وتقرأ : «غريمنا» والمثبت يوافق عبارة أبي شامة.