وقدم قربانا من الخبز والنبيذ ، والذي رفعه الله إلى السماء. وهناك قام ملكي صادق بمباركة إبراهيم ، الذي قص شعره وأظافره ، حيث إن ملكي صادق طويل الشعر. هذه كانت بداية الشعائر بالخبز والنبيذ ، بدلا من الخبز غير المخمر كما يقول النبي" إنك ستكون كاهنا للأبد ، بعد أمر ملكي صادق".
وتقع المغارة على بعد رمية قوس واحد غربي مكان التجلي. وفي دير التجلي المقدس أبدوا لنا احتراما كثيرا. وبعد الاستراحة والعشاء هناك قمنا بزيارة كنيسة التجلي المقدس ، وتعبدنا في المكان المقدس حيث تجلى سيدنا المسيح هناك وبعد تقبيل المكان بالحب والبهجة ، وبعد تقبلنا لمباركة الراهب وجميع الأخوة غادرنا الدير المقدس ، وقمنا بجولة إلى جميع الأماكن المقدسة في ذلك الجبل المقدس. وتمر من أمام مغارة ملكي صادق الطريق المؤدية إلى الناصرة التي تقع غربي جبل طابور. ومررنا من أمام مغارة ملكي صادق ، وزرنا للمرة الثانية هذه المغارة المقدسة ، انحنينا أمام المذبح المقدس الذي أقامه ملكي صادق وإبراهيم. ويوجد ذلك المذبح في هذه المغارة حتى يومنا هذا ، وغالبا ما كان ملكي صادق المقدس يأتي هناك ليؤدي الشعائر. ويشهد جميع الصالحين الذين يعيشون فوق هذا الجبل الذين يتعبدون في تلك المغارة عن تلك الحقيقة أمامي. وحمدنا الله حيث إنه سمح لنا نحن العصاة غير الجديرين بزيارة تلك الأماكن المقدسة ولمسها بشفاهنا الآثمة. ونزلنا بعد ذلك من جبل طابور إلى السهل ورحلنا مقدار فرستين باتجاه الغرب متجهين إلى الناصرة.
ويبعد جبل طابور عن الناصرة مقدار خمسة (١) فرستات اثنان منها في السهل والثلاثة الأخرى فوق الجبل حيث الطريق متعب ، ضيق ، وخطر لوجود المسلمين الخطرين ، الذين تنتشر قراهم فوق الجبال والسهول ، وحيث إنهم يندفعون من بيوتهم ويذبحون المسافرين على تلك المرتفعات الفظيعة (٢). إنه لمن الخطر أن تعبر تلك المناطق دون حراسة جيدة ، وكانت الحراسة تنقصنا هذه
__________________
(١) ورد في معظم المخطوطات ان المسافة بين جبل طابور والناصرة تبلغ خمسة فرستات (نحو ٥٢٥٠ متر) Cf.Mac.,Mo.,F.,T.,Ar.,K.,S.,R ـ ـ وذكرت مخطوطات أخرى أن المسافة تبلغ خمسين فرستا. (الترجمة الإنجليزية) وهذا غير معقول وربما يكون نتيجة خطأ وقع فيه بعض النساخ والكتّاب (الترجمة العربية).
(٢) يشير الرحالة دانيال الروسي إلى المسلمين باسم السراسنة أو السراقنةSaracens ، كما يصفهم بالخطورة ، ويضيف بأنهم يتعرضون للمسيحيين بالذبح والقتل. ونرد عليه بأن المسلمين عاملوا أهل الذمة معاملة حسنة واحترموا أصحاب الديانات السماوية ، وسمحوا لهم بالعيش في ديار الإسلام. وقد شهد هؤلاء بمعاملة المسلمين الجيدة لهم خلال مختلف الحقب التاريخية. ولا ننكر أن المسلمين والمسيحيين الشرقيين تصدوا للهجمة الفرنجية الصليبية الشرسة التي قام بها الغرب الأوروبي ضد الأراضي المقدسة في أواخر القرن الحادي عشر الميلادي / الخامس الهجري. فقد قام الفرنجة الصليبيون بقتل النساء والأطفال ، كما أنهم اعتدوا على الأماكن المقدسة الخاصة بالمسلمين ، لدرجة أنهم قتلوا في المسجد الأقصى ما يقارب من سبعين ألف مسلم. انظر : ابن الأثير : الكامل في التاريخ ، ج ١٠ ، بيروت ١٩٦٦ م ، ص ٢٨٣ ـ ٢٨٤ ابن الجوزي : المنتظم في تاريخ الملوك والأمم ، ط ١ ، حيدر آباد الدكن ١٣٥٨ ه / ١٩٣٩ م ابن خلكان : وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان ، ج ١ ، تحقيق إحسان عباس ، بيروت ١٩٦٨ ـ ١٩٧٢ ، ص ١٩٧ ابن الراهب : تاريخ ابن الراهب ، عني بنشره الأب لويس شيخو ، بيروت ١٩٠٣ م ، ص ٧٢ ابن العبري : تاريخ مختصر الدول ، تحقيق الأب انطون صالحاني ، ط ٢ ، المطبعة الكاثوليكية ، بيروت ١٩٥٨ م ، ص ١٩٧ الذهبي : كتاب دول الاسلام ، ج ٢ ، تحقيق فهيم محمد شلتوت ومحمد مصطفى ابراهيم ، القاهرة ١٩٧٤ م ، ص ٢١ ابو الفداء : المختصر في ـ ـ