المحمومة ، وعند ما رجع بوجهه إلى الأرض ، خرج أخيرا من الضريح دون الحصول على الفضل الذي طلبه ، وعندها عم الجميع شعور مؤلم بالإحباط واليأس.
وصعد فوشيه برفقة أحد قساوسة البطريرك إلى الجمجمة ليروا فيما إذا جاء النور المقدس ، ولكنهما لم ينجحا في ذلك ، ثم ملأت الصيحات المكان مرة ثانية طالبة الرحمة والفضل من الله ، وتليت الصلوات بحماس أكبر ، ولكن دون جدوى ، وعند ما اقترب المساء طلب البطريرك من الجميع مغادرة الكنيسة لكي تبقى خالية أثناء الليل. وعند فجر يوم عيد القيامة تجمع كل الناس الذين انتظروا رحمة الله في الكنيسة ودخل البطريرك الضريح ليرى فيما إذا ظهر النور المقدس أم لا ، وعند ما لم يجده خرج يعتريه كثير من الإحباط ، ولكن الجميع صمموا على مواصلة الدعاء والصلاة. ودخل رجال الدين اللاتين مع الملك وحاشيته في موكب وهم حفاة الأقدام إلى معبد السيد المسيح (١) حيث وعد الله سليمان بالاستماع لدعائه وصلاته ، وهناك دعا الجميع العظيم بأن يرسل لهم النور المقدس ، وبينما صلى اللاتين هكذا في معبد السيد المسيح ، سار اليونانيون والسريان ، والذين ظلوا في الكنيسة ، في موكب حول الضريح مقدمين صلواتهم إلى الله ، وكانوا في حالة من اليأس ، كانوا يخدشون وجوههم ، ويشدون شعورهم في تذمر وشكوى مرتفعة ، وبينما كان اللاتين راجعين أبلغ البطريرك بأن النور الذي طال انتظاره قد ظهر في أحد المصابيح في الضريح المقدس وأن هؤلاء القريبين استطاعوا رؤية لونه المائل للحمرة ، وعند سماع ذلك أسرع البطريرك الخطى وفتح باب الضريح بالمفتاح الذي كان يمسكه بيده ثم رأى في الحال النور الذي طال انتظاره يشع في أحد المصابيح.
وبنفس تملأها البهجة انحنى أمام الضريح المقدس وشكر الله على ذلك ، ثم أضاء مشعلا وخرج ليري الجميع ذلك النور المقدس ، وبقلوب تغمرها البهجة والدموع تملأ العيون صاح جميع الحاضرين «ارحمنا يا رب».
وبعد أداء القداس حضر الملك لابسا التاج على رأسه وطبقا للعادة الملكية أقام الملك بلدوين وليمة عظيمة في معبد سليمان (٢). وبينما كانت الوليمة قائمة أعلن أن النور المقدس قد ظهر في مصباحين معلقين في الضريح المقدس ، وعاد الملك وضيوفه إلى الكنيسة لرؤية المعجزة الجديدة.
__________________
(١) المقصود هنا مسجد قبة الصخرة الذي اطلق عليه الصليبيون اسم معبد السيد اثناء سيطرتهم على بيت المقدس ١٠٩٩ ـ ١١٨٧ (الترجمة العربية).
(٢) اطلق الصليبيون على المسجد الأقصى اسم معبد سليمان ، وقد سيطر عليه فرسان المعبد (فرسان الداوية) الذين قسموه إلى عدة اقسام ، قسم استخدم ككنيسة ، وقسم استخدم للمعيشة وتخزين الاسلحة ، وقسم حولوه إلى اسطبل للخيل. (الترجمة العربية).