أمير المؤمنين؟ قال : ما اقترفت ذنبا ، إلّا أن أمير المؤمنين لا يستحلّ هذا مني إلّا بحجة ، فما الذي عند الأمير فيما كتب به إليه؟ فقال : أمر أمير المؤمنين لا يخالف ، لكني أعفيك من الغلّ والحديد وأحملك على حال لا توهنك (١) ، وأوجهك مع غلام من غلماني أتقدم إليه بترفيهك وأن لا يعسفك (٢) ، فشكره وقال : إن رأيت أن تأذن لي في المصير إلى منزلي ومعي من يراعيني (٣) إلى أن أعود فافعل. فقال له : امض ووجّه معه خادما ، فصار أحمد إلى منزله واستخرج الكتب الثلاثة ورجع إلى المعتصم فأقرأه إياها ، وقال : إنما بعثت لأكتب بأخبارك وأتفقّد أحوالك ، وأكاتب يحيى بذلك ليقرأه على أمير المؤمنين ، فخالفت ذلك لما رجوته من الحظوة عندك ولما أمّلته منك ، فاستشاط المعتصم غضبا ، وكاد يخرج من ثيابه غيظا ، وتكلم في يحيى بكلّ مكروه ، وتوعّده بكلّ بلاء ، وقال لأحمد : يا هذا ، لقد رعيت (٤) لنا رعاية لم يتقدمها إحساننا إليك ، وحفظت علينا ما نرجو أن يتسع لمكافأتك عليه ، ومعاذ الله أن أسلمك أو تنالك يد ولي قدرة على منعها منك ، أو أوثر خاصة أو حميما عليك ما امتد بي عمر ، فكن معي فأمرك نافذ في كلّ ما ينفذ فيه أمري ، ولم يجب المأمون على كتابه ، ولم يزل معه إلى أن ولي الخلافة ، وإلى أن ولي الواثق ، وإلى أيام المتوكل ، فأوقع به.
نقلته مختصرا.
قال أبو نصر بن ماكولا (٥) :
دؤاد : بضم الدال المهملة وفتح الواو المخففة : أحمد بن أبي دواد قاضي المعتصم والواثق ، [واسم أبي دواد فرج](٦) كان موصوفا بجودة الرأي والكرم ، وهو الذي امتحن العلماء بالقول في القرآن ، وبدعوتهم إلى خلق القرآن (٧).
__________________
(١) الوهن : الضعف في العمل والأمر. وأوهنه ووهنه توهينا : أضعفه (تاج العروس : وهن).
(٢) عسف السلطان إذا ظلم ، وعسّف بعيره أتعبه بالسير ، وتعسّفه ظلمه أو ركبه بالظلم ولم ينصفه. وعسف المفازة عسفا قطعها على غير هداية (تاج العروس : عسف).
(٣) راعيت الأمر مراعاة : راقبته ونظرت إلام يصير وما ذا منه يكون (تاج العروس : رعى).
(٤) راعى أمره مراعاة وحفظه وترقبه ، كرعاه رعيا ، قال الراغب : أصل الرعي حفظ الحيوان إما بغذائه الحافظ لحياته وإما لحياته ، أو بذب العدو عنه ، ثم جعل للحفظ والسياسة ، ومنه قوله تعالى : (فَما رَعَوْها حَقَّ رِعايَتِها) أي ما حافظوا عليها حق المحافظة.
(٥) الإكمال لابن ماكولا ٣ / ٣٣٥ ـ ٣٣٦.
(٦) الزيادة بين معكوفتين عن الإكمال لابن ماكولا.
(٧) قوله : وبدعوتهم إلى خلق القرآن. ليس في الإكمال.