[٩٥٥١] أحمد بن إسحاق بن إبراهيم ،.
أبو الطيب الرّبعي الدمشقي
حدث عن القاضي أبي القاسم عبد الله بن محمد بن جعفر القزويني قال :
كان لأبي إبراهيم المزني (١) رفيق معه في البيت يعرف بأبي عبد السلام ، وكانا يتفقهان ويتعبدان جميعا ، وكان لهما صديق من المصريين حسن العقل ، حسن المذهب ، متحرّ في تجارته ، وكانت له دنيا عريضة ، فكان يجهد أن يبرّهما بشيء فلا يقبلان منه ، فاحتال عليهما يوما بحيلة ، فحمل إليهما كيسا فيه ألف دينار ثم قال لهما : يا أخواي أنتما تعلمان أني لو شاطرتكما مالي كنت مسرورا بذلك ، ولكن لست أطمع منكما في ذلك وهذه ألف دينار تقبلانها مني قرضا وتدفعانها إلى من شئتما ، وإلّا فردّاها عليّ حتى أكون أن الذي أتّجر بها فما رزق الله فيها من ربح كان لكما ، ويكون رأس المال لي فتكونان قد انتفعتما بلا مذلّة وانتفعت أنا بلا مضرّة ، فقال أبو عبد السلام للمزني : يا أبا إبراهيم ، قد لطف بنا صاحبنا ، وما ينبغي أن نأبى عليه فقبضا منه الألف دينار. وكان لهما صديق يكنى أبا يعقوب ، وكان أحد المتخلين (٢) وكان مأواه السواحل ، فبلغه ذلك فساءه فأخذ رقعة فكتب إليهما فيها :
بسم الله الرحمن الرحيم. أسعدكما الله بما ينجيكما ، وعصمكما مما يرديكما ، وجعل الجنة مصيركما ، وموعدكما ، وأعطانا مثل ذلك بمنّه. أما بعد ، فإنّ في علوّ ما أفل من الدنيا ، وأفول ما علا منها لأولي الألباب بالثقة عن الفضول مزدجر ، وفي حطم العتاة الجبارين معتبر ، وما تغني الآيات والنذر إلّا لأولي الأفكار والنظر ، ومسالمة البغاة إلى تقحم الشبهات مدعاة ، والشبهة للقلوب مقساة ، والقسوة أضرّ أدواء المحدثين وأنتج أسباب الضلالات ، فلا تذهبا عما تعلمان فإنه من يزدد نشبا (٣) يزدد تعبا ، والأرض لله ، يورثها من يشاء من عباده ،
__________________
(١) اسمه اسماعيل بن يحيى بن إسماعيل بن عمرو ، أبو إبراهيم المزني المصري ، ترجمته في سير الأعلام ١٠ / ٣٣٥ (٢١٤٥) (ط دار الفكر) ، (والمزني) بضم الميم وفتح الزاي نسبة إلى مزينة بنت كلب ، قبيلة مشهورة (وفيات الأعيان ١ / ٢١٩).
(٢) يعني من المتخلين للعبادة ، وتخلى للعبادة : تفرغ لها.
(٣) النشب محركة : المال ، وقيل : إن النشب أكثر ما يستعمل في الأشياء الثابتة التي لا براح بها ، كالدور والضياع.
(تاج العروس : نشب).