كيف لا أعود رجلا ما وقعت عيني عليه قط إلّا ساق إليّ أجرا ، أو أوجب لي شكرا ، أو أفادني فائدة تنفعني في ديني ودنياي ، وما سألني حاجة لنفسه قط.
قال محمد بن عبد الملك الزيات (١) :
كان رجل من ولد عمر بن الخطاب لا يلقى أحمد بن أبي دؤاد في محفل ولا وحده إلّا لعنه ودعا عليه ، وابن أبي دؤاد لا يردّ عليه شيئا. قال : فعرضت لذلك الرجل حاجة إلى المعتصم فسألني أن أرفع له قصته إليه ، فمطلته واتقيت (٢) ابن أبي دؤاد ، فلما ألحّ عليّ عزمت على أن أوصل قصته ، وتذممت من مطلبي (٣). فدخلت ذات يوم على المعتصم وقصته معي واغتنمت غيبة ابن أبي دؤاد فرفعت قصته إليه ، فهو يقرأها إذ دخل ابن أبي دؤاد والقصة في يد المعتصم ، فلما قرأها دفعها إلى ابن أبي دؤاد ، فلما نظر إليها ، واسم الرجل في أولها قال : يا أمير المؤمنين ، عمر بن الخطاب ، يا أمير المؤمنين ، عمر بن الخطاب ، ينبغي أن يقضى لولده كلّ حاجة له ، فوقّع له أمير المؤمنين بقضاء الحاجة.
قال محمد بن عبد الملك : فخرجت والرجل جالس فدفعت إليه القصة وقلت له : تشكّر لأبي عبد الله القاضي فهو الذي اعتنق (٤) قصتك ، وسأل أمير المؤمنين في قضاء حاجتك. قال : فوقف حتى خرج ابن أبي دؤاد ، فجعل يدعو له ويتشكر له ، فقال له : اذهب عافاك الله فإنّي إنما فعلت ذلك لعمر بن الخطاب لا لك.
قال إسحاق بن إبراهيم (٥) :
كنت عند الواثق يوما ، وهو بالنجف (٦) ، فدخل ابن أبي دؤاد ، فقعد معنا نتحدث ولم يك خرج الواثق بعد ، فقال لي أحمد بن أبي دؤاد : يا إسحاق قلت : لبيك ، قال : أعجبني هذان البيتان ، قلت : أنشدني فما أعجبك من شيء ففيه السرور ، فأنشدني :
ولي نظرة لو كان يحبل ناظر |
|
بنظرته أنثى لقد حبلت منّي |
__________________
(١) رواه أبو بكر الخطيب في تاريخ بغداد ٤ / ١٤٨ ـ ١٤٩.
(٢) في تاريخ بغداد : وأتيت.
(٣) كذا في مختصر ابن منظور : «وتذممت من مطلبي» وفي تاريخ بغداد : «وندمت من مطلي».
(٤) في تاريخ بغداد : أعتق قصتك.
(٥) الخبر والبيتان في البداية والنهاية ٧ / ٣٣٥ ـ ٣٣٦ (ط دار الفكر).
(٦) النجف : بالتحريك ، بظهر الكوفة ، انظر معجم البلدان ٥ / ٢٧١.