فقال : يا أمير المؤمنين ، بئس ما أدّبك مؤدّبك. قال الله تعالى : (وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها) [سورة النساء ، الآية : ٨٦] والله ما حييتني بها ولا أحسن منها. فقال ابن أبي دؤاد : يا أمير المؤمنين ، الرجل متكلم ، فقال له : كلّمه. فقال : يا شيخ ما تقول في القرآن؟ قال الشيخ : لم تنصفني ـ يعني ولي السؤال ـ فقال له : سل ، فقال له الشيخ : ما تقول في القرآن؟ فقال : مخلوق ، فقال : هذا شيء علمه النبي صلىاللهعليهوسلم وأبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، والخلفاء الراشدون أم شيء لم يعلموه؟ فقال : شيء لم يعلموه؟ فقال : سبحان الله شيء لم يعلمه النبي صلىاللهعليهوسلم ولا أبو بكر ، ولا عمر ، ولا عثمان ، ولا علي ، ولا الخلفاء الراشدون علمته أنت؟!. قال : فخجل ، وقال : أقلني : قال : والمسألة بحالها ، قال : نعم ، قال : ما تقول في القرآن؟ فقال : مخلوق ، فقال : هذا شيء علمه النبي صلىاللهعليهوسلم وأبو بكر ، وعثمان ، وعلي ، والخلفاء الراشدون أم لم يعلموه؟. فقال : علموه ولم يدعوا الناس إليه ، قال : أفلا وسعك ما وسعهم. قال : ثم قام أبي فدخل مجلس الخلوة واستلقى على قفاه ، ووضع إحدى رجليه على الأخرى وهو يقول : هذا شيء لم يعلمه النبي صلىاللهعليهوسلم ولا أبو بكر ، ولا عمر ، ولا عثمان ، ولا علي ، ولا الخلفاء الراشدون علمته أنت ، سبحان الله شيء علمه النبي صلىاللهعليهوسلم وأبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، والخلفاء الراشدون ولم يدعوا الناس إليه؟ أفلا وسعك ما وسعهم؟ ثم دعا عمارا الحاجب فأمر أن يرفع عنه القيود ويعطيه أربع مائة دينار ، ويأذن له في الرجوع ، وسقط من عينه ابن أبي دؤاد ولم يمتحن بعد ذلك أحدا.
ومما قيل في ابن أبي دؤاد :
إلى كم تجعل الأعراب طرّا |
|
ذوي الأرحام منك بكلّ واد |
تضمّ على لصوصهم جناحا |
|
لتثبت دعوة لك في إياد |
فأقسم أنّ رحمك في إياد |
|
كرحم بني أميّة من زياد |
قال عبد العزيز بن يحيى المكي (١) :
__________________
(١) رواه أبو بكر الخطيب في تاريخ بغداد ٤ / ١٥٥ من طريق محمد بن أحمد بن يعقوب بسنده إلى عبد العزيز بن يحيى المكي ، والذهبي في تاريخ الإسلام (٢٣١ ـ ٢٤٠) ص ٤٦.